ثقافة وفن

صناعة الكرتون سوريّة!!!…. أنت تحلم… فقدان التأهيل العلمي والفني وراء غياب الكرتون السوري

| سوسن صيداوي

كانت البداية منذ نحو ثمانية عشر عاما، ابتدأت من شركتين محليتين هما (سبيس تون) وشركة (تايغر) إضافة إلى بعض المكاتب التي كان لها تجارب ومشاريع قوية في التصميم الكرتوني، واستطاعت أن تترك أثرا من خلال أعمال أهمها «الجرة» و«خيط الحياة» رغم شدة التعقيد والكلفة العالية للأعمال الكرتونية، وخاصة لأنها ابتدأت بالتصميم التقليدي على ورق، ولكن الآن وللأسف انصرفت السنين تاركة الصناعة الكرتونية السورية هزيلة وضعيفة، وبدلا من أن نتقدم وننافس ونحوز الصدارة والجوائز، ترانا جالسين منتظرين بتوسل الحصول على رعاية واهتمام حقيقيين، ولكن ما الذي دفعنا إلى مثل هذا؟

الرسام من غير ألوان
الرسام هو جزء أساسي في العمل الكرتوني، صحيح أنه ليس بالعنصر الأهم ولكنه ركيزة مهمة ومعطاءة في المشاريع، وخاصة أن التكنولوجيا وفرت عليه الكثير من الجهد والتعب وأصبحت منافسة له في السرعة ولكن لا يمكن لنا أن ننكر أهمية وجوده، وفي هذا الزمن أين هو من هذه الصناعة وأين حظوظه منها، فالفن شغف والعمل به متعة وكيف إذا كان بالأعمال الكرتونية، كما أن سوء الإنتاج يسرق الفتات من الرسام وتراه يساوم دائماً على أجره وكأن تخفيف الإنتاج دائماً مربوط بأجر الرسام.

الإنتاج محرقة مجهود الرسام
ليس من السهل الحصول على المعدات الأساسية لهذه الصناعة وأقصد بالمعدات أجهزة الكمبيوتر والبرامج المتبعة في تصميم المشاريع، وفي ظل الوقت الراهن الأمر بات أصعب وأقسى، كما أن سوء الإدارة الإنتاجية تتطلب من الشركات والمكاتب الموجودة السعي لكوادر جيدة وبأرخص الأسعار، وهنا نتوقف للسؤال: لماذا الرسام السوري أجره أقل من الأجور التي تعطى في الخارج، وأقصد بالخارج… الوطن العربي؟ ولماذا تقف عنده المساومة مع المحاولات للتخفيف من كلفة الإنتاج، وكأن أجر الرسام هو من يثقل ميزانية الإنتاج؟ وكيف سيعطي وسيتطور الرسام إن لم تكن مهنته معطاءة؟ وكيف سيواكب التطور؟ الرسام الزيتي توفيق موسى قال: «سبعة عشرة عاماً من العطاء ولا أحصل إلا على الكفاف رغم أني ملم بالعمل الكرتوني ابتداءً من الرسم وانتهاء بالإخراج، فالشركات تجني الربح على حساب الرسام، وفي ظل الظروف بات الواقع أكثر تعقيدا وأصبح من العادي والمألوف أن يترك الرسام الرسم ويبحث عن عمل آخر كي يلبي حاجاته ومتطلباته حتى وإن كانت البسيطة».
هنا أشار الرسام المهندس أوس السمرائي قائلاً: «هناك مشكلة حقيقية في أجور الرسام فهي متدنية جداً وهذا فيه ظلم له لأن الأجر المتدني لن يمكنه من مواكبة التطور سواء بالتكنولوجيا الكرتونية أو من خلال الأدوات، ما يدفعه بالنهاية إلى استبدال مهنته كرسام بمهنة تؤمن حياته وخاصة في الظروف الحالية، مع ضرورة لفت النظر إلى أن عملية تركه للرسم والالتحاق بعمل آخر سيضعف من حاله كرسام وبالنهاية سيجعله غير مقبول في السوق، كما أن الفرصة سواء في العمل أو بالأجر أكبر أمام رسام الثلاثي الأبعاد أو الـ«3D»، منه أمام رسام الـ«2D».

شركات إنتاج خارجية غير واعية
أصحاب شركات الإنتاج أشخاص معنيون «بالبزنس» والتجارة أكثر من جودة العمل أو إلى من يتوجه، وفي ساحة صناعة الكرتون تجدهم قلة قليلة من يملك الوعي بأهمية العمل الكرتوني، وبضرورة أن يكون توجهه غنياً يفيد بتربية الطفل وتوعيته، ولأن الربح أو «البزنس» هو الهدف الرئيسي من الشركات تراها تتجه دائماً إلى الكادر البشري القادر على الإنجاز وبأقل التكاليف، هذه إحدى المشكلات الشائعة في الإنتاج.

صناعة ثقيلة بيد منتج فقير الإدارة
ليس من السهل أن تدير صناعة عمل كرتوني فهذه الصناعة من أعقد الصناعات من حيث الكلفة والجهد والمستوى، ومن يستطع فهو شخص ليست غايته ربحية فقط بل هو شخص متمتع بحس إداري مسؤول، فليس بالأمر السهل أن تضبط مثلا ثلاثين ممثلاً للقيام بالمشروع الكرتوني، وأضاف هنا الرسام المهندس أوس السمرائي: «سورية ينقصها خبرة ليس كرسامين بل ينقصها منتجون ذوو خبرة وكقاعدة علمية مع دعم حكومي، سورية فيها ورش من شركات الإنتاج وليس منتجون، إضافة إلى كون الكرتون العربي بلا هدف فأغلبه تهريج، إضافة إلى أنك لا تجد بالأعمال صبغة فنية أصيلة، بمعنى الصورة ضعيفة بكل نواحيها سواء من ناحية اللون والحركة بعكس الكرتون الأجنبي، وصحيح أن الشركات الأجنبية تسعى إلى الربح وهذا أمر طبيعي ولكنها تحصل على الأرباح الطائلة انطلاقاً من جودة إنتاجها بعكس الإنتاج العربي الذي يسعى للربح بالدرجة الأولى، مع وجود مشكلة مهمة وهي عدم وجود ثقافة الفريق مع مساحة التعبير التي تحتاجها هذه الصناعة أو المهنة باعتبارها ليست فقط رسماً».
إذا ثقل هذه الصنعة يتطلب روح التعاون في الفريق مع حسن إدارته ويقول ماهر حمد صاحب استديو (draem catcher) لصناعة الرسوم المتحركة: « أنا رسام (أنيميشن) أو رسوم متحركة وأعرف تماما بأن العمل الكرتوني عمل صناعي ثقيل وجماعي بالمرتبة الأولى، كما يحتاج إلى مجهود أكثر من ثلاثين شخصاً كي يصلوا إلى رسمة أو كادر واحد متفق عليه من كل هؤلاء الرسامين، إذا الأمر يتطلب إدارة فاعلة حتى تستطيع تنظيم نحو 30 شخصاً على الأقل، وهذا أمر في غاية الصعوبة سواء للحصول على مستوى عالٍ من الإنجاز أو من ناحية التعاطي مع فريق العمل، وبالعموم تسعى شركات الإنتاج الكرتونية إلى العمل مع الدول ذات الكادر البشري العالي والقادر على الإنتاج في زمن قياسي، واليوم مصر هي التي لديها هذا الكادر، والعراق قبل الحرب عليها كان لها النصيب الأوفر في صناعة الكرتون من حيث كبر الكادر البشري وثقافته العالية في العمل الجماعي.

فقدان التأهيل العلمي السوري
في إحدى السنوات الماضية افتتح في قسم الإعلام في كلية الفنون الجميلة مادة الرسوم المتحركة، ولكن لم يعد يدرس لأسباب غير معروفة، وطبعا إذا حاول الشباب السعي للتأهيل فأمامهم أحد الخيارين إما الالتحاق بإحدى الشركات السورية أو المكاتب للتدريب فيها أو الانضمام لتلقي الدورات في المعاهد الخاصة أو الجامعات الخاصة وهي مكلفة جداً وليست بمتناول الجميع، الرسام الزيتي توفيق موسى قال: «أنا خريج كلية الفنون الجميلة، ومدرس لمادة النحت ومن خلال خبرتي وما لاحظته وللأسف فإن الشباب هم من قام بتأهيل أنفسهم بأنفسهم من خلال الالتحاق بالشركات المحلية والمكاتب كمتدربين».
رغم كل شيء يبقى هناك طموح واندفاع شبابي كبير ولا يستطيع واقع قاس أن يحدّه رغم ضعف الإمكانات والأستاذ ماهر حمد يقول: « أنا أقوم في الوقت الحالي بتدريس رسم الـ(الانيميشن) أو الرسوم المتحركة في أحد المعاهد الخاصة المهمة في سورية، والأمر الذي ألاحظه من الشباب وبالرغم من عدم تعلم الطلاب في كلية الفنون الجميلة لتصميم الرسوم المتحركة أو تحريكها، إلا أنهم يقدمون مشاريع التخرج حول تصميم الرسوم المتحركة مع تحريكها».

تعلم تصميم الرسوم ضرورة
الاطلاع على التجارب الناجحة في الدول الأخرى يدفعنا إلى التفكير بضرورة السعي لمحاولة الاقتداء بها ولو من خلال التجارب وحول هذا الموضوع ذكر الرسام المهندس أوس السمرائي: «في اليابان يقومون بتعليم الأطفال كيفية تصميم الرسوم المتحركة ليس بغرض الربح بل بغرض التشجيع على الإبداع وتطوير الفكر عند الأطفال».
هنا لابد لنا من التساؤل أين دور وزارة التربية ووزراة التعليم العالي ولماذا لا يكون لدينا مقرر يتم اعتماده في المدارس والجامعات؟ وكم كان سيتقدم من الشباب لتعلم هذه المادة؟ وكم ستعكس على نفسية الطفل من الإبداع والتطوير بالفكر؟ وأين هو دور وزارة الثقافة بنشر هذا النوع من الثقافة؟

التوجيه كان حاضراً
في دمشق عاصمة الثقافة كان التوجيه من السيدة الأولى أسماء الأسد أن يتم الإنتاج بشكل سنوي للأعمال الكرتونية.
وهنا أشار الرسام ومصمم الرسوم المتحركة ماهر حمد: «في فعالية دمشق عاصمة الثقافة تم إنتاج مسلسل من نحو 15 حلقة من «كارتونيا»، كما تم تنفيذ نحو 13 فيلماً بتمويل من الفعالية المذكورة، وكان هذا الطرح كبداية لفكرة سنوية وبدعم من السيدة الأولى، بأن تقوم الحكومة بتمويل نحو 15 فيلماً سنوياً وأن يكون لهذه الأفلام مشاركات بالمهرجانات العربية والعالمية».
وأضاف الرسام توفيق موسى قائلا: « لقد تم عرض الأفلام بمهرجان الرسوم المتحركة في سينما الكندي ضمن تظاهرة المنح الإنتاجية لاحتفالية دمشق عاصمة الثقافة العربية 2008، وكانت الأفلام من توقيع شباب كسروا النمطية المتداولة، لإثبات جديتهم بحجم استطاعتهم وجدارتهم بما هم قادرون على تقديمه على صعيد التقانة».
الازدحام الذي شهدته العروض أيام 13 و14 و15 كانون الثاني 2009 في سينما الكندي، أثار ميزة مهمة ربما الكثير لم يدركها أو غفل عنها وتجلت بالتعاون بين بعض المخرجين والكتاب والرسامين، التي كانت لهم مساهمات في عدة أفلام كما اتضح من تكرار الأسماء، فهذا الجو التنافسي التآلفي كان بذرة لخلق صناعة رسوم متحركة، مع التأكيد مع ما سلف ذكره بأن هذه الصناعة جماعية، وخصوصاً مع غياب أي مؤسسة أو اتحاد لاحتضان هذه الطاقات الفنية من الشباب.

أين المتابعة ولماذا التوقف؟
بالرغم من أن هناك مجهوداً وسعياً لاستيعاب ودعم الطاقات الشبابية ومحاولة المؤسسة العامة للسينما لتركب الموجة نفسها بإطلاقها «سينما الشباب»، إلا أن الصناعة السورية للرسوم المتحركة ما زالت تحتاج إلى النهوض، وهنا أوضح الرسام ماهر حمد: « على الرغم من الظروف ومن عدم الاهتمام، فسورية معروفة على مستوى الوطن العربي وهي الأفضل، ولكن للأسف في الوقت الحالي لا يوجد تمويل داخلي يدعم الأفكار المطروحة والتي تخص سورية كبلد وكوطن، وبسبب ثقل هذه الصناعة فلا يوجد مجازف وحتى لو كان على مستوى أشخاص».

رسام الرسوم المتحركة متحرك كرسومه
العمل الكرتوني من الصناعات الوطنية المهمة كما أنها ستكون واعدة جداً إن لاقت الاهتمام والرعاية من الحكومة، أو التبني لتكون مثل دول أخرى كالصين، الهند، أندونيسيا، ماليزيا وغيرها من الدول التي فيها صناعة الرسوم الكرتونية مشروع وطني هائل، تقوم بدعمه رغم كلفته وتعقيده باعتباره فناً قوياً وقائماً ومدراً لأرباح خيالية إن وظف بالطريقة المثلى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن