قضايا وآراء

«معاداة السامية» سلاح إسرائيلي موجه ضد الجميع

| تحسين الحلبي

منذ الإعلان عن الحركة الصهيونية بدعم استعماري بريطاني، أدرك قادة الحركة أن أهدافها في إنشاء «وطن قومي يهودي» في فلسطين ستتعرض للرفض والمقاومة في فلسطين وفي العالمين العربي والإسلامي، بل في العالم كله مهما طال الزمن. ولذلك كانوا يلجؤون سنة تلو أخرى إلى إنشاء منظمات وهيئات دائمة لإرهاب كل من يعارض أو يقاوم أو يندد بهذه الأهداف، فأنشأت الحركة منظمة يهودية أميركية في عام 2013 قبل إعلان وعد بلفور بموجب ما قاله لصحيفة «نيو يوركر» في 11 أيار 2022 جوناثان غرينبلات رئيس هذه المنظمة التي اتخذت لها اسم «جامعة المكافحين ضد تشويه اليهود – ADL» وهي تقوم بمهامها منذ ذلك الوقت لإسكات وابتزاز ومنع كل من ينتقد الصهيونية والكيان الإسرائيلي في الولايات المتحدة ولو كان أميركياً وعضواً في مجلس الشيوخ، بل عملت هذه المنظمة كأداة قتال تحت إدارة ورعاية منظمة الضغط الأميركية اليهودية «آيباك» الشهيرة المختصة بحماية مصالح تل أبيب في الساحة السياسية الأميركية، وكذلك تحت رعاية منظمة الحركة الصهيونية في الولايات المتحدة ومنظمة المؤتمر اليهودي الأميركي.

وحين نجحت إسرائيل والحركة الصهيونية بإجبار الأمم المتحدة على إلغاء القرار الذي أقر بعنصرية الصهيونية عام 1975 وضرورة التنديد بها في كل العالم وحل محله قرار مضاد عام 1991 نافياً عنها صفتها العنصرية هذه، بدأت الحركة الصهيونية وكيانها وكل منظماتها في العالم باتهام كل من يعارض الصهيونية وسياسة الكيان الإسرائيلي بـ«معاداة السامية» أي معاداة اليهود أينما كانوا ومهما كانت هوياتهم الوطنية في الوطن الذي نشؤوا فيه، ولو كانوا غير منتمين للفكر الصهيوني، فأصبحوا بهذا الشكل وكأنهم مستوطنون إسرائيليون وهم ليسوا كذلك.

تفرض إسرائيل نفسها على غرار الحركة الصهيونية، ممثلاً لجميع اليهود في العالم رغم وجود أغلبية يهودية في هذا العالم، لا تعد نفسها خاضعة لهذا التمثيل ولا ترغب في الهجرة إلى الكيان الإسرائيلي، فأغلبية اليهود لا تزال تقيم بأوطانها أو في الولايات المتحدة وكندا ولا يوجد في الكيان الإسرائيلي سوى ستة ملايين ونصف المليون لا يحملون صفة اليهودي بينهم 400 ألف، ترفض المؤسسات الدينية الرسمية اليهودية في الكيان منحهم الهوية اليهودية لأن معظمهم لم يولدوا لأم يهودية بل هم أقارب فقط من أصل يهودي من جهة الأب ولا يعدون يهوداً بموجب الشريعة التاريخية «من هو اليهودي» المعمول به في الكيان الإسرائيلي.

لكن الحكومات والمؤسسات الإسرائيلية والصهيونية تستخدم منظمات مكافحة السامية في كل دول العالم وليس في الدول التي يوجد بها يهود فقط، لرصد واتهام كل من يقف مع الشعب الفلسطيني ويعارض السياسات الإسرائيلية بالإرهاب، وقد وضعت الحكومة ومنظمات إسرائيلية أخرى نصاً تحدد فيه «أشكال ومظاهر وسرديات معاداة السامية» أرسلته لعدد من الدول لتبنيه واعتماده رسمياً في محاكمة أي فرد في العالم بل كل دولة أيضا، ولذلك أصبحت مهمة «المبعوث الخاص الأميركي لرصد ومحاربة معاداة السامية» وهو تحت إمرة الرئيس الأميركي، هي استلام كل التقارير التي ترسلها منظمات «محاربة معاداة السامية في العالم» وتقديمها بتقرير خاص للبيت الأبيض لكي يتخذ إجراءاته ضد المعنيين، وأعدت واشنطن في مبنى وزارة الخارجية الأميركية مكتباً وقسماً خاصاً لهذا المبعوث الذي يشترط فيه أن يكون يهودياً يدير من وزارة الخارجية حرباً على ما يسمى «المعادين للسامية» وهي تهمة يمكن توجيهها لابتزاز الدول والمسؤولين ورعايا الدول في أي وقت، لأن قائمة تعريف أشكال معاداة السامية فضفاضة ويمكن دوماً طرحها ضد هذه الدولة أو تلك أو فبركتها ضد هذه الدولة أو تلك.

المخابرات الإسرائيلية والمواد، قد يعدان عمليات بيد عملائهما لاتهام أي دولة يشعران أن سياستها ستشكل خطراً على سياسة الكيان الإسرائيلي، وهذا ما بدأت تعده مراكز القرار في إسرائيل لبعض الدول بل أيضاً منها واشنطن نفسها لابتزازها من عقر بيتها، فقد نشرت المبعوثة الأميركية الجديدة التي تجلس في مبنى الخارجية الأميركية ديبوره ليبشتادت تصريحاً تعلن فيه زيادة مظاهر معاداة السامية في الولايات المتحدة بنسبة مقلقة في هذه الأوقات، فما بالك حين تقول ليبشتادت إنها ستركز الآن على «رصد ومحاربة» أشكال ومظاهر معاداة السامية عند دول الشرق الأوسط! وتقدم تقريرها للرئيس الأميركي لكي يتخذ إجراءاته ضدها بموجب ما تقول.

مثل هذه المنظمات الصهيونية ستضع على جدول عملها كل دول وشعوب المنطقة وتعد لها أشكالاً من الابتزاز والحصار لرسائلها الإعلامية والتربوية تحت ذريعة ما يسمى «محاربة السامية» بل هي تشن حرباً على جميع البشرية باسم العنصرية الصهيونية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن