لماذا تنتحر أوروبا اقتصادياً وسياسيا؟ لمصلحة من؟ كيف يمكنها أن تفعل ذلك بمواطنيها الذين بدؤوا بالمعاناة بسبب الأزمة التي اختلقها حكامهم في سبيل إرضاء واشنطن التي لا تكترث لشيء بتاتا عدا مصالحها الشخصية؟ وما ينتظر أوروبا في الشتاء من عجز عن تأمين احتياجاتها من الطاقة ينذر بالانهيار، وخاصة أنها توقعات ودراسات صادرة عن مراكز أوروبية وأميركية، لكن لا أحد من القادة الأوروبيين يفعل أي شيء سوى الانقياد الأعمى وراء رغبات واشنطن التي ستسوقهم لا محالة نحو التهلكة.
رئيس الوزراء الهنغاري فيكتور أوروبان تنبأ بسقوط دول القارة الأوروبية كأحجار الدومينو، وأول تلك الانهيارات ستكون بريطانيا، ولكن آخرها غير معروف بعد، وخاصة أن أسعار الغاز في أوروبا قفزت بشكل سريع بنحو 8 بالمئة أي إلى مستوى 1850 دولاراً لكل ألف متر مكعب من الغاز، وذلك بعد إعلان من شركة «غازبروم» أنها أوقفت تشغيل توربين آخر لشركة «سيمنز» يستخدم في محطة «بورتوفايا» في خط الأنابيب «السيل الشمالي 1» وذلك بسبب أعمال صيانة، مشيرة إلى أن إمدادات الوقود الأزرق عبر «السيل الشمالي 1» انطلاقاً من 27 تموز الجاري لن تتجاوز 33 مليون متر مكعب في اليوم بعد أن كانت تضخ ما يقرب الـ60 مليون متر مكعب.
موسكو لطالما شددت على أن تقييد عمليات التوريد، يعود سببه فقط إلى العقوبات الغربية المفروضة على روسيا، والتي تسببت بمشاكل في إصلاح وحدات ضخ الغاز، فضلاً عن ذلك أعلنت كندا في العاشر من تموز الجاري سماحها بإخراج أحد التوربينات من البلاد، بضغط من ألمانيا ومعارضة من أوكرانيا، بعد رفضها في وقت سابق عودته إلى روسيا، لتعلن شركة غازبروم الروسية مؤخراً أنها تلقت من شركة «سيمنز» وثائق من السلطات الكندية الخاصة بتوربينات خط أنابيب «التيار الشمالي 1» بخصوص صيانته والتي شككت روسيا بجودتها لكونها هي المسؤولة بالمقام الأول عن عمليات الإصلاح ضمن دورة صيانة فنية مجدولة سابقاً.
لكن هناك أسئلة ومخاطر لا تزال قائمة بما في ذلك بشأن عقوبات الاتحاد الأوروبي وبريطانيا، ليتضح في النهاية أن أوروبا تخنق نفسها وتفرض تلك العقوبات على مواطنيها وعلى حكوماتها، في مشهد سياسي غريب وغير مفهوم ولا يمكن قراءته سوى أنه انتحار وانهيار.
هنغاريا من الدول الأوروبية التي غردت خارج السرب الأوروبي وأعتقت نفسها من حبل الانتحار وعملت على مصلحتها الوطنية أولاً، حيث قررت شراء 700 مليون متر مكعب من الغاز الروسي، إضافة إلى 4.5 مليارات متر مكعب منصوص عليها في العقود طويلة الأجل تحصل عليها سنوياً من موسكو، فبودابست تستورد أصلاً 65 بالمئة من نفطها و80 بالمئة من غازها من روسيا.
فهل تلتهم أوروبا ذاتها لإنتاج عقد سياسي ذاتي جديد، وفق مفاهيم عالمية جديدة مرتبطة بتفوق دول بعينها على حليفها الأميركي التقليدي، وخاصة أن القارة الأوروبية تستطيع تحييد نفسها عن الصراع الأميركي مع العالم كله والعمل على تجنيب مواطنيها أي مطبات سياسية واقتصادية ذات نتائج مدمرة على أوروبا كوجود سياسي واقتصادي؟