قضايا وآراء

حين يعترف باراك بالهزيمة مرتين

| تحسين حلبي

تحاول الحكومات الإسرائيلية إيهام العالم وبعض دول المنطقة بأنها تخشى كثيراً من أن تقوم إيران بصنع قنبلة نووية تعدها تل أبيب أشد الأخطار عليها ومع ذلك تدرك هذه الحكومات أن الخطر الملموس والشديد الذي شكلته الجمهورية الإسلامية الإيرانية على تل أبيب لم يكن ناجما عن هذه المزاعم بل كان بسبب الدعم السياسي والعسكري والمالي الذي أعلنت طهران عن تقديمه لفصائل المقاومة الفلسطينية واللبنانية ولسورية، قاعدة هذه المقاومة وكل من يقف معها في المنطقة، والدليل على هذه الحقيقة واضح في تزايد قدرة المقاومة اللبنانية والفلسطينية وإنجازاتها وفي الوقوف إلى جانب سورية بكل أشكال الدعم ضد حرب الإرهاب التكفيري التي شنتها تل أبيب والغرب كله عليها، وهذا الدور الإيراني في ساحة المقاومة هو الذي ساهم إلى جانب سورية، بهزيمة جيش الاحتلال عام 2000 في جنوب لبنان، وهو الذي ساهم إلى جانب الدور السوري بهزيمة جيش الاحتلال في قطاع غزة ونزع مستوطناته ومواقعه من أول أرض فلسطينية دون قيد أو شرط، وهذا يعني أن التحريض الإعلامي والسياسي والحربي ضد طهران في الموضوع النووي وفرضه على جدول عمل المنطقة بدعم من واشنطن والغرب، لا علاقة له بهزيمة تل أبيب عام 2000 بشكل خاص، ولا بما واجهته قوات الكيان الإسرائيلي من هزائم توالت من عام 2005 في الانسحاب من قطاع غزة، وعام 2006 في تموز في لبنان، ولا شك أن قيادة جيش الاحتلال وواشنطن تدركان هذه الحقيقة مثلما تدركان عجزهما عن تغيير نتائج هذه الهزائم عليهما ولذلك فضلا اللجوء إلى استخدام كل حملات الاتهامات لإيران في الموضوع النووي لكي يحشدا المجتمع الدولي ودول المنطقة ضد طهران وضد سورية ودورهما الواضح في دعم المقاومة للتخلص من كل منهما بشكل منفصل أو معا لتفكيك هذا المحور الذي استندت له المقاومة اللبنانية والفلسطينية وأنجزت بوساطة التحالف معه ما أنجزته على الأرض في جبهة الشمال وجبهة الجنوب.

يشير سجل أشكال العدوان والحروب التي اعتادت تل أبيب على شنها منذ الستينيات، إلى اعتماد إستراتيجية شن حرب وقائية ضد كل دولة مجاورة تتبنى دعم المقاومة الفلسطينية، فعدوان حزيران عام 1967 وجهه الكيان الإسرائيلي ضد سورية ومصر بشكل خاص، لأن كلاً منهما أعلن دعمه وتبنيه لجيش تحرير فلسطيني من أفراد الشعب الفلسطيني عام 1965 قبل سنتين من حرب حزيران وحين شاهدت تل أبيب عام 1967 طلائع هذا الجيش في قطاع غزة الذي كان تحت إدارة مصرية وطلائع جيش تحرير فلسطيني من أبناء مخيمات اللاجئين في سورية ويتمتع بدعم وتسليح من الجيش العربي السوري سارعت واشنطن وتل أبيب إلى محاولة قطع الطريق على مصر وسورية وأعدت حرب حزيران «الوقائية» عام 1967 ضد سورية ومصر والأردن واحتلت أراضي مصرية وسورية وأردنية وفلسطينية.

استمر جيش الاحتلال بتطبيق هذه الاستراتيجية حين قام باعتداءات على أراضي لبنان والأردن في السبعينيات لمنع انتشار المقاومة الفلسطينية إلى أن قام عام 1982 بشن حرب اجتياح عسكري على الجيش السوري المنتشر في الأراضي اللبنانية وعلى فصائل المقاومة الفلسطينية تنفيذاً لاستراتيجية الحرب الوقائية، فتصاعدت المقاومة على الأرض اللبنانية بدعم مباشر من الجيش السوري وتحقق لها النصر عام 2000 بتحرير كل لبنان من قوات الاحتلال وفي ظل هذه المقاومة كانت سورية وإيران الداعمين الأساسيين اللذين أحبطا قدرة جيش الاحتلال على شن حرب وقائية أخرى بعد هزيمته عام 2000 وعام 2006، ومنذ انتخابه رئيسا لحكومة الكيان الإسرائيلي عام 1999 وهزيمته بسحب قواته من جنوب لبنان، دون قيد أو شرط، بدأ إيهود باراك بفبركة «الخطر النووي الإيراني» داعيا واشنطن والغرب إلى حشد قوى الغرب لشن الحرب على إيران ومحاصرتها بحجة منعها من صناعة قنبلة نووية بعد أن عجز عن إيقاف دعمها العسكري والسياسي لكل قوى المقاومة.

في يومنا هذا ها هو باراك يعلن في 26 تموز الجاري في مقال نشره في مجلة «تايم» الإنكليزية أن «الوقت أصبح متأخرا الآن لإيقاف البرنامج النووي الإيراني بالعمل العسكري»، وهذا يعني أن الجيش الإيراني تزايدت قدراته الحربية وصناعاته العسكرية ولم يعد جيش الاحتلال ولا الجيش الأميركي معا، قادرين على شن حرب وقائية ضد إيران وبخاصة بعد هزيمة الغرب كله في سورية وتزايد قدرات سورية بعد انتصارها على مئات الآلاف من المجموعات الإرهابية التي استهدفتها طوال عشرة أعوام، فسورية واجهت هذه الحرب بسبب دورها الأساسي في دعم المقاومة في لبنان وفي فلسطين، أما جيش الاحتلال فقد بدا عاجزاً حتى عن ردع فصائل المقاومة في قطاع غزة وما زال يفقد قدراته المعنوية والقتالية في مواجهة أطراف محور المقاومة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن