من دفتر الوطن

كي تعود الدراما لرشدها

| حسن م. يوسف

علمت من خلال مواقع التواصل الاجتماعي أن وزارة الإعلام ولجنة صناعة السينما والتلفزيون تقيمان اليوم وغداً ورشة عمل بعنوان: «الدراما السورية صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية». وهذا موضوع يأتي على رأس اهتماماتي. وبما أنني لن أتلقى دعوة لحضور الورشة، فقد عزمت على أن أشارك فيها من خلال هذا المقال.

في ظل انحسار الكتاب وانكماش المسرح والسينما تبقى الدراما التلفزيونية هي المادة الأكثر جذباً وتأثيراً من بين كل المكونات المقروءة والمسموعة والمرئية التي يقدمها الجسد الإعلامي والثقافي السوري لجمهوره. فالدراما التلفزيونية لاتصل لشريحة محدودة من المجتمع كالكتاب واللوحة والمسرحية، بل هي تخترق كل الجدران والعوائق وتخاطب كل الناس في كل البيئات على اختلاف ثقافاتهم وقناعاتهم وميولهم.

والدراما التلفزيونية السورية صناعة رابحة، بل هي، نسبياً، الصناعة السورية الأكثر ربحاً، فعلى الصعيد المادي توفر فرص عمل لشريحة لا بأس بها من السوريين، وتوفر للخزينة العامة دخلاً بالعملة الصعبة. كما أنها على الصعيد المعنوي تشكل قوة ناعمة تصل إلى حيث لا تستطيع أية وسيلة أخرى أن تصل.

أبرز نقاط قوة الدراما السورية هي سورية نفسها، فسورية لا تقع على تخوم ثلاث قارات وحسب بل تجتمع فيها كل مناخات العالم ما يجعلها «استوديو» طبيعياً مساحته 185180 كيلومتراً مربعاً يمكن التصوير فيه على مدار العام، ففيها الجبل والسهل، البحر والنهر، الغابة والصحراء، كما تحتوي على متحف حي لكل أعراق البشر وألوانهم.

ما لا شك فيه هو أن الدراما فن وصناعة وتجارة، لكن بعض المنتجين حولوها إلى مجرد تجارة. والحقيقة أن ضيق السوق الوطني وضعف القدرة المالية للمنتجين تأتي على رأس نقاط الضعف التي تعاني منها الدراما السورية، فالمال الخاص جبان وأي مسلسل سوري لا يعرض في الخارج، سيكون محكوماً بالخسارة، وهذا ما يدفع المنتجين السوريين للاتكاء على ممولين خارجيين يقومون في معظم الأحيان بفرض رغباتهم وصبغياتهم على مختلف جوانب العملية الإنتاجية، ما أسهم ويسهم في تشويش هوية المنتج الدرامي السوري نتيجة عدم وجود ضوابط قانونية تنظم شؤون الإنتاج بما فيها عمل الشراكات الإنتاجية. وما زاد ويزيد من تفاقم الوضع سيطرة بعض التجار على جل مفاصل العملية الإنتاجية، وعلاقات بعضهم المريبة بالجهات القائمة على شراء الأعمال الدرامية في المحطات العربية، ما يضمن لهم تسويق إنتاجهم الدرامي بغض النظر عن سويته وتوجهاته، وهذا الوضع أدى ويؤدي لتهميش الإبداع وانحسار حضور الفنانين والفنيين الجادين لمصلحة سواهم، فعندما تفرض التجارة قوانينها على الفن يكون من الطبيعي أن تطرد العملة الرديئة العملة الجيدة من السوق.

أحسب أن الدراما التلفزيونية السورية تمر بمرحلة حساسة نتيجة سرقة نجومها وانتحال لهجتها من قبل المسلسلات التركية، واختراقها بنصوص مسلوقة على عجل لا يميز كتابها بين الواقع الموضوعي والواقع الفني، بين الحوار الدرامي والمحادثة اليومية، بين الزمن الفيزيائي والزمن الفني… الخ. كما أن وضع الدراما السورية تحت رحمة أبناء السوق، خلخل ويخلخل الثقة التي بنتها الدراما السورية مع المشاهد العربي. وما يزيد الوضع تعقيداً هو ولادة جهات إنتاجية محلية في مختلف أنحاء الوطن العربي حاولت وتحاول تعزيز إنتاجاتها المحلية من خلال امتصاص نقاط التميز في الدراما السورية.

أعتقد أن مخرج النجاة الوحيد للدراما السورية هو أن تكف عن المنافسة في مجال إنتاج المسلسلات التافهة وأن تعود لرشدها وتنتج مالا يستطيع أحد سواها أن ينتجه، وعندها ستقدم فناً نظيفاً راقياً عالياً عميقاً يليق بتاريخ سورية الفني والوطني.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن