لم يخضع اقتصاد في حجم الاقتصاد الروسي منذ ثلاثينيات القرن الماضي لكمّ واسع من العقوبات كتلك التي تم فرضها بسبب الحرب الأوكرانية. والعقوبات أداة من أدوات الحرب الاقتصادية لها تداعيات اقتصادية عالمية ومحلية مؤذية.
وشهد الاقتصاد العالمي اضطرابات بسبب جائحة كورونا، حيث ارتفعت الأسعار العالمية للغذاء بنسبة 28 في المئة عام 2020، و23 في المئة عام 2021، وسجلت زيادة حادة بعد الأزمة الأوكرانية.
وتعد روسيا في الوقت الحالي من كبار مصدري النفط والحبوب وسلع أولية أساسية أخرى، وأصبحت من الاقتصادات شديدة الانفتاح، حيث سجلت نسبة التجارة إلى إجمالي الناتج المحلي لديها 46 في المئة حسب البيانات الصادرة عن البنك الدولي.
الغرب الذي ارتدت عليه سلباً الحرب الأوكرانية، عقد مؤخراً قمماً متتالية وغلبت اللحظة الأوكرانية بأبعادها المختلفة، على أجندات هذه القمم المحمومة، لكنها بمجموعها عكست توتراً عامّاً لدى المعسكر الغربي بشأن تراجع هيمنته على الشأن العالمي.
تلاقى قادة نادي الدول الصناعية السبع الكبرى في ألمانيا بحضور رئيسة المفوّضية الأوروبية، كما عقد اجتماع قادة الاتحاد الأوروبي في بروكسل، فيما بدأ قادة دول حلف شمال الأطلسي «الناتو» اجتماعها قيل إنه الأهم منذ سنوات.
في قمّة ألمانيا، حاول المجتمعون، وهم يسيطرون على 50 بالمئة من ثروة العالم ويمثّلون 10 بالمئة فقط من سكّانه، إظهار تماسكهم في مواجهة روسيا، ودعمهم للنظام الأوكراني، إلّا أن ما صدر عن القمّة أظهر بوضوح شحّ المبادرات لدى الغرب، وضعف التأثير على الموقف الروسي، فيما ظهرت خلافات علنيّة تنمّ عن ضعف أوراق الغرب في هذا الصراع وانعكاسات الحرب على أسعار الطاقة وإمدادات الغذاء على الرغم من تعهّدات الرئيس الأميركي جو بايدن، ورئيسة المفوّضية الأوروبية، بمواصلة العمل على تقليل اعتماد العالم على إمدادات الطاقة الروسية، لكن ما تمخّض عنه كلّ ذلك الصخب لم يتعد حدود خطّة «نظرية» أميركية للتلاعب بسعر النفط، من شأنها أن تسمح لروسيا بمواصلة بيعه، واعتبر المراقبون ذلك، اعترافاً مبطناً بفشل الحظر الذي فرضته الولايات المتحدة وحلفاؤها على صادرات موسكو من الطاقة، على نحو أثار ردّات فعل سلبيّة شديدة من المستهلكين في الولايات المتحدة وأوروبا.
نتائج القمم أكدت تقلّص مساحة الفعل لدى نادي الدول الغربية في مواجهة روسيا، ومحدوديّة الخيارات لديه إزاء انعكاسات العقوبات والحصار الاقتصادي على موسكو.
وما فاقم هذه المعضلة أن الزعماء الحاضرين يمرّون بحالة من الضعف السياسي داخلياً، فلم تنجح قمة السبع بتوريط بقيّة العالم في الصراع الأميركي الروسي، وحكومات شعوب الجنوب غير متحمّسة لمعاداة موسكو من أجل نظام فلودومير زيلينسكي، علماً أن دولاً مِثل الصين والهند وفنزويلا وإيران والأرجنتين وأندونيسيا، هي ضد الحصار الاقتصادي على روسيا.
إن قمة العشرين المتوقعة في الخريف القادم، تشي إلى انقسام العالم إلى فسطاطَين متعاديَين، وتشريع الباب أمام تفاقم أزمة الرأسمالية إلى مستويات لم تشهدها من قَبل، فبعد مرور أكثر من 5 أشهر على اندلاع الحرب، أثيرت تساؤلات حول ما إذا كانت هذه العقوبات فعالة حقاً.
في الوقت الحالي، تجني موسكو حوالى 800 مليون دولار يومياً، وإذا كان الهدف من العقوبات هو تدمير الاقتصاد الروسي وآلة الحرب، فإن العقوبات، حتى الآن، غير ناجحة، وبعض المحللين يرون بأن إستراتيجية العقوبات الغربية قد فشلت بسبب انطلاق إمدادات الغاز الضخمة عبر ألمانيا، وهذا ما سيسمح للرئيس الروسي فلاديمير بوتين بتمويل حربه لأطول فترة ممكنة، كما أن العقوبات التي فرضها الاتحاد الأوروبي على الطاقة حتى الآن تستثني بعناية أي حملة جادة على الغاز الروسي القادم إلى التحالف.
يبدو حالياً أن روسيا تخفض تدريجياً إمدادات الغاز إلى أوروبا في محاولة لمنع الدول من التخزين في الأشهر الباردة، عندما يريد بوتين أن يكون قادراً على التهديد بإغلاق الأنابيب تماماً.
جاء في صحيفة «لوتان» السويسرية أن العقوبات ستصيب أولئك الذين توقعوا انهيار الاقتصاد الروسي بخيبة أمل، ودللت على ذلك بتعافي الروبل الروسي بعد أن اتخذ البنك المركزي الإجراءات اللازمة.
أسهم هذا الكم الهائل من العقوبات التي فرضت على روسيا، في فرض معوقات حادة أمام تصدير السلع الأولية التي تتوافر في روسيا وأوكرانيا، ووصولها إلى الأسواق العالمية، وأحدثت العقوبات على روسيا تداعيات اقتصادية عالمية وخاصة في مجال الطاقة والغذاء، وتسببت هذه العقوبات في صدمة اقتصادية قوية غير مسبوقة.
سيؤدي فرض عقوبات إضافية على صادرات النفط والغاز الروسية، إلى تفاقم هذه التداعيات على الاقتصاد العالمي في الوقت الذي يجني فيه الكرملين حوالى مليار دولار كل يوم، فإن العقوبات الاقتصادية لها تداعيات على الذين فرضوها.
في بريطانيا، ارتفعت فواتير الطاقة بنسبة 54 في المئة، ويتعرض الغرب لأضرار اقتصادية خطرة نتيجة لارتفاع تكاليف الطاقة، بينما يتجه الغرب نحو أزمة تكلفة معيشية قد يجد قادتها المنتخبون صعوبة في التعافي منها، ويكون من تداعيات العقوبات الغربية على روسيا سقوط النخب السياسية الحاكمة وقد بدا فعلاً سقوط أحجار الدومينو الأوروبية.