قضايا وآراء

عن أسئلة المصير عند انقضاء «مسد» و«قسد»

| عبد المنعم علي عيسى

بعد مرور نحو عشرة أيام على انقضاء «قمة طهران» التي جمعت رئيس النظام التركي إلى جانب نظيريه الروسي والإيراني في 19 تموز المنصرم، يمكن القول إن ملامح التوافقات الشفوية التي حدثت بعيداً عن البيان الختامي قد أخذت بالتكشف شيئاً فشيئاً، فهذا الأخير الذي جاء حاسماً تجاه أي عمل عسكري يمكن أن تشنه أنقرة في الشمال والشمال الشرقي من سورية، كان يخفي، كما يبدو، تراسيم تفاهم «شفوي» يقضي بغض النظر عن قيام أنقرة بعمليات لا تطول الجغرافيا السورية لكنها تطول هياكل «قسد» وقياداتها وصولاً إلى محاولة العمل لتفكيك تلك البنية وإذا ما اقتضى الأمر «تفاهماً» غير مباشر مع دمشق فليكن ما يقتضيه فعلاً على أرض الواقع.

يوم الخميس الماضي 28 تموز قال وزير الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو: «سنقدم الدعم السياسي للنظام السوري لإخراج الإرهابيين»، وبعد ساعات من ذلك التصريح أعلن قائد ميليشيا «قسد» مظلوم عبدي أن «كثافة المسيّرات التركية تزداد، وباتت تستهدف شمال شرق سورية ومؤسساته العاملة، وهي ستؤثر في استقرار المنطقة»، وكلا التصريحين يشيران إلى استنتاج مفاده أن ثمة ضوءاً أخضر روسياً إيرانياً كان قد أعطي لأنقرة، ومفاده السماح لتركيا بتوجيه ضربات موجعة لهياكل «مسد» و«قسد»، وهي من حيث النتيجة تهدف إلى تفكيك بنيانهما سواء حدث ذلك تحت وقع تلك الضربات المتواصلة، أم بفعل خلق حالة من الفصل بين تلك الهياكل وبين النسيج المجتمعي الذي تديره، والجدير ذكره هنا في هذا السياق هو أن شرائح وازنة، في مناطق شرق الفرات، سبق لها أن أبدت حالاً من الاستعداد للخروج من سيطرة تلك الهياكل من دون أن تتكامل الظروف التي كان يمكن لها، فيما لو تكاملت، أن تؤدي إلى وقوع «الخيمة» فوق رؤوس بناتها.

هذا يفسر، إلى درجة كبيرة، نمو العشب بكثافة على الطرقات الموصلة بين «مسد» و«قسد» من جهة وبين دمشق من جهة ثانية، فجولات التفاوض، التي كشف عنها عضو مجلس الشعب السابق عمر أوسي في حديث أجرته معه صحيفة «الوطن» قبل أيام، بدت كثيفة بدرجة تكاد الواحدة منها لا تنتهي حتى تعقبها الأخرى، وذاك تكتيك لطالما اشتهرت بها تلك الثنائية، أي ثنائية «مسد» و«قسد»، منذ خروجهما للعلن قبل نحو ست سنوات، فشد الرحال إلى دمشق يكون فقط عندما تعصف الرياح الهوجاء بـ«الخيمة» خصوصاً إذا ما أبدت «الحبال» الأميركية، التي تحاول ترسيخها على الأرض، تراخياً من النوع الذي تبديه الآن.

يقول أوسي: إن الحوار كان قد انتقل، للمرة الأولى، من حيز «الأمني العسكري» إلى الحيز السياسي في الجولة الأخيرة التي سبقت حديثه بأيام، وهي، أي تلك الجولة، كانت قد سجلت خلافاً حول نقاط أربع، أولها مصير «الإدارة الذاتية» حيث يطالب ثالوث «مسد» و«قسد» و«حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي دمشق بالاعتراف بها، وثانيها هو مطالبة «قسد» بالاحتفاظ بحيثية معينة كأن توكل إليها المهام المنوطة بأجهزة الشرطة والأمن على أن تكون مرجعيتها تابعة للجيش السوري، أما الثالثة فهي تتمثل بالخلاف حول نسب توزع الثروات الطبيعية الموجودة في مناطق شرق الفرات السوري، ورابعها هو العلاقات التي تقيمها «الإدارة الذاتية» مع بعض الدول الأوروبية الأمر الذي ترى فيه الأخيرة داعماً لكيانها، أو هو يضفي عليه بعضاً من «مشروعية» عليه.

وكانت ردود دمشق، وفق أوسي، على المطالب السابقة تتمثل على التوالي:

– توسعة قانون الإدارة المحلية ذي الرقم 107، والعمل على المشاركة في الانتخابات المحلية التي ستجري أواخر هذا العام.

– أن يتاح المجال أمام المنضوين تحت قيادة «قسد» الانضمام إلى الجيش السوري بشكل إفرادي.

– إن الثروات الطبيعية الموجودة في أي أرض سورية هي ملك للشعب السوري، ولا مجال لقبول توزع لتلك الثروات مع أي قوى أوجدتها ظروف معينة.

– أن قيام قنوات تواصل بين أحزاب أو تيارات سياسية سورية مع جهات خارجية يجب أن يمر حصراً عبر وزارة الخارجية السورية المنوط بها رسم علاقات الدولة بالخارج.

من الواضح أن الحوار السابق، الذي يتضمن مطالب محددة وردوداً عليها، حاصل بين منطقين متناقضين تماماً، وهما منطق الدولة ومنطق «الميليشيات» التي استحوذت على مكاسب تراها أشبه بـ«غنائم» من الواجب الحفاظ عليها، ومن الطبيعي جداً أن يكون التناقض سيد الموقف بين المنطقين، لذا، والحال هذه قائمة، تبدو فرص التلاقي اليوم شبه معدومة، لكنها قد لا تبقى كذلك إذا ما تابع الخط البياني المرتسم ما بعد طهران 19 تموز مساره الذي يتخذ شكلاً تصاعدياً بقوة.

قبيل أن نغلق الحديث عن آخر المفاوضات التي عرض لها أوسي، نقول إن التوصيف الذي جاء على لسان الأخير عندما كان يتحدث عن محاربة «قسد» لتنظيم «داعش» الذي قال إنه «غرس في ميثولوجيا السوريين»، فيه أخذ ورد، وما تجدر الإشارة إليه هنا أن واشنطن اختارت «حليفها البري» الذي سيخوض الحرب ضد «داعش» بناء على معطيين اثنين، أولهما عدم ثقتها بالفصائل الإسلامية القريبة في منهجيتها من تنظيم «داعش»، لذا فإن الخيار ذهب نحو اختيار فصائل بعيدة عن تلك المنهجية وكان الاختيار قد وقع على «حزب الاتحاد الديمقراطي» الكردي بوصفه صاحب تجربة سابقة في العمل المسلح، وثانيهما أن واشنطن كانت، إبان استعراض الخيارات، تبحث عن «خنجر» تريد غرسه بصدر دمشق تماماً كما فعلت ما بعد غزوها للعراق 2003، وأي «خنجر» يساوي ارتهان فصيل يعتد بإثنية عرقية تدار من جبال قنديل، وهي تبدي استعداداً للاستدارة من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين؟

في مطلق الأحوال من المنتظر أن تفضي التطورات الحاصلة في الشرق السوري إلى «تكيف» تلك الثنائية معها، والراجح هو أن الأخيرة تستقرئ جيداً اتجاه هبوب الرياح، وهذا يمكن له أن يستولد مناخات أفضـل في جـولات قادمة يبدو أنها لن تنقطع راهناً.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن