الظرف الاقتصادي الصعب الذي يمر به العالم، وفيه ما يخصنا وحدنا وما يرتبط بحال العالم، يتطلب التعامل بعقل مرن وقلب مفتوح، مع كل الاقتراحات التي يقدمها خبراء حكوميون، لم تفِ بأغراضها، وآخرون علينا سماع اقتراحاتهم من صفوف المعارضة الوطنية ومستقلين، وباعتقادي يتفقون على إعادة ترتيب «جدول الأولويات الاقتصادية» العلاجية الحاضرة وفي استراتيجيات المستقبل المنظور.
منذ مطلع عام 2020، انشغل العالم بأزمة غذاء، بدأت مع انتشار وباء كورونا، وتفاقمت مع اندلاع الحرب «الروسية – الأوكرانية» في شباط هذا العام، وما تلاها من تَبِعات أثّرت في مجمل الدول، وفي ظل هذه الظروف، كانت سورية تعاني تبعات الحرب والإرهاب على أرضها ومفاعيل العقوبات الاقتصادية الغربية وقانون قيصر وأزمة البنوك اللبنانية، وهو ما أدى إلى ارتفاع في مستوى التضخم، وتضافرت العوامل الدولية والعوامل الداخلية لتجعل المشهد أكثر تعقيداً.
الأمن الغذائي والمائي والصحي والاجتماعي، على المستوى الوطني، أضحى ضرورة في زمن الأزمات العالمية وتعثر سلاسل الإمدادات للغذاء والنفط المجهولة النهايات.
من هنا يتوضح لنا ترابط الحلول الاقتصادية مع التوازن والبناء الاجتماعي وفي مجملها مع الاستقرار السياسي لتوفير مقومات جدول الأولويات حسب الطروحات التالية:
– حوامل الطاقة وتوفيرها مع التركيز على تحفيز الطاقة البديلة والمتجددة.
– تغيير سياسات البناء الاقتصادي – الاجتماعي، لرفد الحل السياسي وعودة الاستقرار والسلام المستدام، آخذين بعين الاعتبار أن التنمية الاجتماعية أهم أسس البناء المجتمعي السليم وتهدف إلى توفير الحياة الكريمة والاحتياجات الأساسية للإنسان إضافة إلى الحفاظ على القيم وتعزيز هذه القيم التي تربط الإنسان بالأرض التي يعيش عليها الأجيال ويتوارثونها ويتعاقبون عليها من عادات وتقاليد، فالتنمية الاجتماعية رابط للحاضر بالماضي والمستقبل.
– تحفيز ومساعدة قيام المشاريع الصغيرة والمتوسطة في سورية وعلى الأخص زراعياً وصناعياً عبر سياسات أكثر مرونة وتطور على الصعيد الإداري والمالي والمصرفي والخدمات والبنية التحتية، وبتواءم مع اللامركزية الإدارية وخصوصية المناطق.
– الدعم بعد الإنتاج الزراعي أو الصناعي سواء لحوامل الطاقة أو المواد الأساسية عبر إنشاء صندوق دعم تمويلي للنشاطات الأكثر إنتاجية ووفق المواصفات العالية الجودة، وللمنتجات ذات المنشأ المحلي بما يزيد على 80 بالمئة.
– إعادة هيكلة المؤسسات التي تعنى بالاقتصاد والوزارات ذات الشأن، عبر الدمج أو حلها في حال عدم الجدوى من وجودها بما يحد من البيروقراطية ويرفع من خدمة المواطن ويحقق الفائدة المرجوة من وجوده، فمثلاً دمج المصرف التجاري السوري والعقاري والتسليف والبريد ليصبح بنك التجارة والتمويل والبناء، ودمج المصرف الصناعي والزراعي ليصبح بنك التنمية الزراعية والصناعية، وكذلك دمج وزارات الصناعة والتجارة الخارجية والداخلية لتصبح وزارة التجارة والصناعة بما يتيح آلية عمل مشتركة بإمكانها وضع سياسات عامة تنعكس ايجابياً على توافر المواد والتنمية والمواطن.
– السير نحو تحقيق التوازن بين الدخل والإنفاق عبر زيادة الدخل بصفة عامة في مقابل زيادة الإنتاج والإنتاجية بشكل فعال، وتحديث القوانين ومواءمتها للدستور مع سيادة القانون للحد من الفساد.
– وضع برنامج واضح وتشاركي حول التنمية المستدامة في سورية بما يحد من التخلف والجهل والفقر، وفق أهداف الألفية الثانية 2030 والتحول من الاقتصاد الرجعي إلى الإنتاجي والانتقال إلى الجباية الضريبية ذات المعالم والمحددة التوجه بقصد التنمية وتأمين الخدمات وتلبية احتياجات المواطنين.
لذلك، نعتقد بضرورة تأسيس مجلس اجتماعي – اقتصادي في هذا الإطار والتوقيت كمؤسسة مستقلة معنية بشكل مباشر بالإصلاح الاقتصادي والاجتماعي والتنمية البشرية وعلى الأخص بعد الصراع والحرب للتعافي المبكر، تكون مهمته إبداء الرأي في مشروعات القوانين المعنية بالمسائل الاقتصادية والاجتماعية والبيئية، ويضم نخبة من الخبراء والمختصين بالشأن الاقتصادي والمجتمعي والحقوقي والقانوني، ولتكون مهمة المجلس تقديم الرؤى والحلول للمشكلات المستعصية التي يعانيها المواطن السوري، لتكون طوق النجاة لمعالجة همومه وآلامه، وهي الفكرة التي نأمل تضمينها بنصوص الدستور السوري، لتكون إحدى الروافع المجتمعية للديمقراطية التشاركية وتعزيز قدرة وكفاءة المؤسسات التي ازدادت ترهلاً بفعل الحرب والأزمة، وإعطاء المجلس الاقتصادي والاجتماعي صلاحيات وسلطات استثنائية وفقاً للظروف الاستثنائية والقاهرة.
الحقيقة، لم يسع المخلصون على هذه الأرض إلا لها، فهي وحدها التي تكفي وتشفي، إنها النماء والتقدم والنهوض، وهي الثورة التي تهزم كل أعدائها من دون عناء، لأن طرفها الوحيد الغالب هو أهلها، فتقيم بهم على الأرض كل أمر إنساني وحر وعادل وجميل.