لم تكد قمة طهران، وما نتج عنها، وتداعياتها وأهميتها، تغيب عن أخبار وسائل الإعلام الدولية، حتى سارعت رئاسة النظام التركي للإعلان أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيصل إلى مدينة سوتشي الروسية في الخامس من الشهر للقاء نظيره الروسي فلاديمير بوتين، ليبرز سؤال حول السبب في رغبة أنقرة بعقد قمة ثنائية، تحمل في أجندتها الكثير من الملفات التي ناقشتها، وتم تأكيدها في قمة طهران الثلاثية بحضور إيران وروسيا وتركيا وفي مقدمة تلك الملفات الوضع في سورية، ومسألة الحبوب من أوكرانيا، والعلاقات الثنائية بين تلك البلدان.
في طبيعة الأحوال، دائماً ما خرجت اجتماعات بوتين- أردوغان في سوتشي بتفاهمات، مهمة بما يخص الوضع في سورية، بعيداً عن مدى التزام النظام التركي بتنفيذها، وهو يلجأ إليها مجدداً عساه يلقى هناك ضالته، فيما يطمح إليه، وخاصة أنها تأتي في ظل متغيرات دولية، أدرك التركي خسارة رهاناته إزاء البعض منها، وذلك مع فشل الغرب الأوروبي والأميركي في حصد أي ثمار من خلال مواجهته مع روسيا في أوكرانيا، وهو «التركي» المحسوب بشكل أو آخر على الحلف الغربي، إضافة إلى يقين أردوغان أن جميع محاولاته للمضي بشن عدوان جديد على مناطق شمال سورية، بات صعب التنفيذ إن لم يكن محالاً، مع إصرار روسيا وإيران على عدم حدوثه، مع معرفة أردوغان أن القبول بأي حل بخلاف ذلك يعني هزيمة له في الساحة السورية.
لم يكن لأردوغان مخرج من جل الأزمات التي وقع بها، إلا عن طريق السلّم الإيراني والروسي، وإذا ما تم الحديث في هذا الأمر يكفي الحديث عن دوري موسكو وطهران في تشكيلهما رافعة للاقتصاد التركي المتهالك، عبر صفقات اقتصادية ثنائية بمليارات الدولارات، إضافة إلى السياحة البينية بين تلك الدول وما تدره على الخزينة التركية من مورد لا يستهان به، كل ذلك يدلل على أن أردوغان سيذهب إلى سوتشي، وعينه على المزيد من المكاسب الاقتصادية، وبعض الأدوار الثانوية في أزمات المنطقة، والذهاب لمسارات أخرى تكون بمنزلة جائزة ترضية لإلغاء قراره بشن العدوان على سورية، حيث باتت جميع الطرق باتجاه الأمام مغلقة، ولا سبيل له للتحرك إلا نحو الخلف، وهو ما يكابر ويتجنب الوقوع فيه، دون مقابل هنا أو هناك، ليكون ورقة يلوح بها أمام أنصاره عوض جميع أوراق الضغط التي يملكها، وظن مطولاً أنها قادرة على أن تكون «الجوكر» في أوقاته الصعبة.
مع حديث موسكو المتكرر عن ضرورة تسوية شاملة للأزمة في سورية، لن تكون إدلب بعيدة عن أجندة المحادثات، ولطالما كانت «سوتشي» شاهداً في أوقات سابقة على ضرورة القضاء على الإرهاب فيها، وانسحاب التنظيمات الإرهابية إلى شمال طريق حلب- اللاذقية «M4» ، وهنا ربما يذهب أردوغان للعب مرة ثانية بقضية الأوراق، ويقدم على إحراق إحدى أوراقه في إدلب، من دون أن يحدث ذلك تغيراً كبيراً في خريطة التوزع الجغرافي، وبما يظهر التزامه بتفاهمات سوتشي السابقة في عامي 2018 و2020، مقابل مكسب ما ضد ميليشيات «قوات سورية الديمقراطية- قسد» في الشمال الشرقي، ليكون ذلك بداية للعمل بواقعية أكثر من المقامرة بمستقبله السياسي الذي بات مهدداً، مع تصعيد المعارضة التركية موقفها، وشد صفوفها، بانتظار المواجهة في الانتخابات 2023.
في جانب آخر يحط أردوغان رحاله في سوتشي، وفي جعبته ورقة أوكرانيا، وخاصة مع مغادرة أولى السفن المحملة بالقمح من موانئ أوكرانيا، نتيجة وساطة النظام التركي والأمم المتحدة في اتفاق بين روسيا وأوكرانيا الشهر الماضي لتصدير الحبوب والأسمدة، وفي الإطار أكد موقع «المونيتور» أن مسؤولي النظام التركي يرون في الاتفاقية إثباتاً لموقفهم كوسيط بين موسكو وكييف، حيث تتمتع تركيا العضو في الناتو بعلاقات جيدة مع الجانبين، ليضيف الخبير في مركز أبحاث مركز رازومكوف ومقره كييف، فولوديمير سيدنكو، إن دور تركيا كوسيط بين موسكو وكييف، وكذلك الغرب، قد يكون ذا قيمة في حالة إجراء محادثات لإنهاء الحرب، قائلا: «عندما أتحدث مع دبلوماسيين غربيين في موسكو، فإنهم يقولون إن حقيقة أن تركيا تحتفظ بقناة مفتوحة مع روسيا أمر مهم أيضاً لحلف شمال الأطلسي».