من دفتر الوطن

وما يزال اللطش مستمراً!

| حسن م. يوسف

قبل أيام من قيام الفنانين السوريين، بقيادة المبدع إياد الريماوي بتقديم (الرابسودي السوري) في السابع من شباط الماضي على مسرح اليوبيل ضمن البرنامج الثقافي لجناح الجمهورية العربية السورية في معرض إكسبو دبي 2020، كتبت مقالاً في هذا الركن بالذات قلت فيه إن ذلك الحدث «يشكل فرصة مدهشة للسوريين، لا لكي يعرِّفوا العالم على إرثهم الثقافي العريق وحسب، بل لكي يطالبوا بالحقوق الثقافية المسلوبة منهم». فذلك العرض، الذي لم يقدم لجمهور دمشق حتى الآن، يقوم على رؤية موسيقية – بصرية مدتها ساعة كاملة من تأليف وتوزيع إياد الريماوي بمشاركة أكثر من مئة موسيقي ومغنّ يقودهم المايسترو ميساك باغبودريان. وقد أطلق الفنان الريماوي على العرض اسم «الرابسودي السوري» وهو يتكون من عدة «لوحات» توجز تاريخ الموسيقا السورية منذ أقدم العصور وحتى الوقت الراهن. ولعل أهم اللوحات التي احتواها الرابسودي ترتيلة الابتهال التي ترفعها امرأة عاقر لإله القمر (نيكال) كي تنجب، فهي رؤية جديدة لأقدم تدوين موسيقي تم اكتشافه في العالم حتى الآن. فنص ترتيلة الابتهال وتدوينها الموسيقي وفق السلم السباعي، قد اكتُشفا على لوح طيني يعود إلى أكثر من 1400 عام قبل الميلاد في مدينة أوغاريت السورية قرب اللاذقية.

و قد أشدت بمقالي آنذاك بالفنانين السوريين وعلى رأسهم الأستاذ إياد الريماوي واعتبرت «الرابسودي السوري» مشروعاً تنويرياً مهماً لأنه يشكل فرصة مدهشة، قد لا تتكرر، أمام السوريين لاسترداد حقهم الثقافي بالسلم الموسيقي السباعي الذي سلبه الفيلسوف وعالم الرياضيات اليوناني فيثاغورس، من أجدادهم. فترتيلة (نيكال) يعود تاريخها، كما يجزم علماء الآثار، للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، استناداً للسوية الأثرية التي وجدت ضمنها، وهذا يعني أن أجدادنا الأوغاريتيين قد أبدعوا السلم الموسيقي السباعي الذي ينسب لفيثاغورس وتكتب به الموسيقا الغربية حتى اليوم، قبل ولادة فيثاغورس بسبعمئة وعشرين عاماً! وأكبر دليل على انتحال فيثاغورس للسلم السباعي هو أنه عاش أكثر من ثلاثين عاماً بين مصر وسورية والعراق قبل أن يعود إلى اليونان وينشئ مدرسته الفلسفية. وقد ناشدت الموسيقيين السوريين آنذاك وعلى رأسهم الريماوي أن يستفيدوا من وجودهم في إكسبو ويعلنوا أن فيثاغورس لطش السلم السباعي ومبادئ التدوين الموسيقي من أوغاريت فاختبارات الكربون المشع التي أجريت على اللوح الطيني الذي دونت عليه كلمات ترتيلة (نيكال) ولحنها، تثبت بشكل قاطع أن تاريخها يرجع للقرن الرابع عشر قبل الميلاد، أي قبل ولادة فيثاغورس بأكثر من سبعة قرون. لكن مناشدتي ذهبت أدراج الرياح مع الأسف!

صحيح أن الغرب لا يخلو من أشخاص شرفاء يعلنون الحقيقة بالفم الملآن لكنهم قلة مع الأسف ولا تسمع أصواتهم، قبل ثلاثة أسابيع ذكرت في هذا الركن كتاب المؤرخة البريطانية ديانا دارك «السرقة من العرب: كيف شكّلت العمارةُ الإسلامية أوروبا»، كما ذكرت تصريح الصحفي البلجيكي ميشال كولون الذي أعلن أن: «الغرب مجرد حضارة لصوص»! لكن السياق العام للثقافة الغربية يطمس هذه الأصوات وأحياناً يفعل ذلك بفجاجة مخزية. أمس الأول أرسل لي أحد الأصدقاء مقالاً نشر في إحدى المجلات الغربية تفوح منه رائحة العنصرية الغربية الكريهة بأبشع حالاتها: لن أحدثكم عن المقال بل سأكتفي بترجمة عنوانه حرفياً: «البابليون استخدموا نظرية فيثاغورس قبل 1000 عام من «اختراعها» في اليونان القديمة»!

مفاد هذا العنوان العجيب أن البابليين كانوا مجرد مستخدمين للهندسة التطبيقية أما الفضل في (اختراعها) فيرجع لليونان! يا للصفاقة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن