اقتصاد

اقتصاد (طجّت لعبت)

| فراس القاضي

القراءة ليست مصدر سعادة دائماً، بل على العكس تماماً، قد تصبح مصدر اكتئاب وحزن، إذ يكفي أن تقرأ قليلاً عما فعلته الدول التي مرت بظروف كظروفنا، وكيف اجترح أهلها مجتمعين الحلول المناسبة، أو على الأقل الحلول التي تمنع المشاكل من التفاقم أكثر، لتعلم أننا حتى لم نحاول مجرد محاولة للقيام بأي شيء.

ولو أخذنا كل التعريفات المعتمدة عالمياً وأكاديمياً لمصطلح «اقتصاد»، وحاولنا إسقاط أي واحدة منها على الحالة السورية، لوجدنا أن ما لدينا هو شيء آخر تماماً، شيء لا علاقة له بما يسمح لك بإطلاق توصيف اقتصاد لا من قريب ولا من بعيد، وأننا نصلح كحالة تُــدرس في المناهج العالمية، يُفرد لها فصل خاص، يُعنوَن بما يُكتب على بعض الماركات العالمية، لكن بمعنى مُغاير: احذروا التقليد.

لا ننكر أن مشاكل اقتصادنا كثيرة، ولا نغفل العقوبات والحصار وشح الموارد وما إلى هنالك، لكن هذا ذاته، يُفترض أنه يمنح نقاط قوة لمن يريد المعالجة الحقيقية، لأن عناصره ذاتها، لا تتغير، ولا يزيد عليها ولا ينقص منها شيء، أي إن أمامنا مجموعة من العوامل والعناصر الثابتة، وكل عنصر ثابت يسهل التعامل معه لأنه يحتاج إلى حل واحد، أو مجموعة حلول واحدة تستخدم كلما وقعت الواقعة.

لو راجعنا كل التصريحات عن ارتفاع الأسعار منذ عام 2020 الذي كان مفصلياً فيما يخص هبوط الليرة، لوجدنا أنها متشابهة، ولو راجعنا كل الحلول التي اقترحها اقتصاديون وخبراء، لوجدنا أنها ذاتها، ولم يستجب لها أحد حتى اللحظة.

لو راجعنا كل ما يخص المحروقات وحوامل الطاقة، لوجدنا أن أسباب الشح ذاتها، محطات وقود محمية تسرق الناس، سوق سوداء يتحكم أصحابها بالمشترين من دون حسيب ولا رقيب.

لو راجعنا مشاكل الكهرباء، لوجدناها ذاتها، شح الغاز أحياناً، والفيول أحياناً، وتهالك الشبكة أحياناً أخرى، غير تقاذف المسؤولية بين وزارتي الكهرباء والنفط، ولم تتحرك الحكومة للقيام بأي شيء استراتيجي، وكل ما قامت به هو الترويج للطاقة البديلة المنزلية التي قال عنها أهم الخبراء إنها كارثة سندفع ثمنها في المستقبل القريب.

لو راجعنا مشكلة هبوط الليرة وطريقة التعامل معها، لوجدنا ذات الإجراءات، سحب السيولة من الناس، حبس أرصدة، تكديس عملة بلا فوائد، ورغم ذلك، تواصل العملة الهبوط.

لو راجعنا مسألة شح موارد الدولة، لوجدنا أن الطريقة الوحيدة التي تحاول الحكومة من خلالها أن تملأ خزينتها؛ هي رفع أسعار المحروقات، رفع الضرائب، رفع أسعار السلع، رفع الدعم، رفع أسعار الخدمات، اختراع قوانين لا فائدة منها سوى الجباية مثل قانون البيوع العقارية، وجمركة الموبايلات، وتصريف مئة دولار لكل سوري يرغب بالدخول إلى بلده، ولا يهم أبداً كل ما ينتج عن ذلك من فقر وغضب وخذلان وهروب لرؤوس الأموال.

وقس على ذلك بقية أمورنا ومشاكلنا بلا استثناء.

وفي خضم كل هذا، نتحدث بلا خجل عن اقتصاد، واستثمارات، وقانون استثمار عصري يصر أصحابه على أنه سيحوّل سورية إلى مزيج من دبي ونيويورك وهونغ كونغ.

والحقيقة هي التالي: اقتصادنا هو اقتصاد (طجّت لعبت)، ولا تخطيط فيه لشهر واحد وليس لسنوات، وعلى مدار سنوات الحرب الإحدى عشرة، وخاصة في السنتين الأخيرتين، كانت الحكومة تنتظر وقوع الكارثة، ثم تبدأ بالتفكير بطريقة لترقيعها وليس لحلها، وتعقد الندوات والمؤتمرات وورش العمل، تدعو لها المختصين، ثم ترمي كلامهم وأوراق العمل التي يتقدمون بها في الأدراج وسلال المهملات، وتطبق ذات الحلول المريحة التي يعرفها الجميع، ويعرفون أنها لن تجدي في حل شيء.

من يملك الجلد لتطبيق التجربة التالية، سيتأكد بأن الكلام السابق دقيق جداً، بل سيظن بأن الزمان قد توقف في سورية منذ سنوات، ولا يملك سوى تكرار نهاراته ذاتها ولياليه: عودوا إلى عناوين ومواضيع الصحف والبرامج والحوارات خلال السنوات الأخيرة، وقارنوها ببعضها، فقط.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن