قضايا وآراء

عجز أمام الأخطار على تل أبيب

| تحسين الحلبي

تحت عنوان: «تزايد الأخطار على إسرائيل والكل منشغل بالانتخابات»، يبين الجنرال المتقاعد عاموس غيلعاد الذي شغل مناصب أمنية وسياسية في الأراضي المحتلة ووزارة الدفاع سابقاً، في مقال نشره باسمه في صحيفة «يديعوت أحرونوت» في 3 آب الجاري أن: «إسرائيل تواجه الآن تحديات إستراتيجية غير مسبوقة نتيجة للأخطار التالية التي تزايدت مضاعفاتها وهي: 1- الموضوع الإيراني النووي والصواريخ الباليستية الإيرانية 2- تراجع قدرة الجيش في مواجهة الفلسطينيين في الضفة الغربية وفي داخل إسرائيل نفسها 3- تعاظم الخطر الفلسطيني في مدينة القدس 4- قطاع غزة وما يشكله من خطر مستمر برغم الحصار».

ويضيف غيلعاد إن كل هذه المواضيع تتفاقم آثارها بينما تنشغل الأحزاب بالتنافس الانتخابي ويوجز استنتاجاته بالاعتراف بأن «أعداء إسرائيل يحققون بالمقابل زيادة في قدرة الردع النسبية أمام تراجع قدرة الردع الإسرائيلية»، ويضيف إلى هذه التحديات موضوع حقل كاريش في المياه الاقتصادية البحرية عند حدود لبنان والكيان الإسرائيلي وما رافقها من تهديدات أطلقها حزب الله ضد المنشآت البحرية الاقتصادية الإسرائيلية على سواحل البحر، والاستحقاق الذي ستجبر إسرائيل على دفعه للبنان.

لا شك أن جدول العمل الإسرائيلي تجاه كل هذه التحديات يرافقه تراجع في قدرة النفوذ الأميركي في المنطقة وخاصة مواجهة محور المقاومة وحلفائه في موسكو وبكين، فلا الظرف الإقليمي يخدم المصالح الإسرائيلية ولا الظرف الدولي الذي ظهرت آخر تطوراته في التوتر الحاد والساخن بين الصين وواشنطن تجاه موضوع تايوان والتدخل الأميركي فيها.

وحين يرى قادة الكيان الإسرائيلي مثل هذا الوضع يجدون أنفسهم بحاجة كبيرة للحليف الأميركي ودوره من أجل التخلص من هذه الأخطار التي يعددها الجنرال غيلعاد بوضوح فإسرائيل منذ الإعلان عنها عام 1948 كان استمرار بقائها يستند إلى وجود نظام عالمي أميركي غربي يحقق لها الحماية من ناحية شرعية وتوسعية لأنها وليدة ذلك النظام الغربي الاستعماري وبقاء وجوده في حربين عالميتين وحرب باردة طويلة الأمد بينما يحذر المحللون السياسيون في تل أبيب الآن بأن أي تغيير تفرضه موسكو وبكين على هذا النظام العالمي سينزع من إسرائيل نسبة من القوة والمبررات التي فرضها الغرب لحماية وجودها فالمواجهة التي تجري الآن على المستوى العالمي والإقليمي بين موسكو ومعها بكين وحلفائهما الإقليميين من جهة وبين قوى الغرب وحلفائه من الجهة الأخرى تجري لأول مرة بين قوى استعمارية تاريخية حافظت على وجودها بنظام عالمي يخضع لقواعدها وبين قوى لا يوجد لها تاريخ استعماري منذ ما بعد الحرب العالمية الأولى وتسعى إلى فرض نظام عالمي جديد ينهي سيطرة مصالح الغرب على المستويين الدولي والإقليمي ولذلك ترى تل أبيب في أي انتصار تحققه كل من موسكو وبكين لتغيير النظام الأميركي الغربي الأحادي هزيمة لها وانتصاراً للمحور المتحالف مع موسكو وبكين والشريك لهما في إعادة تغيير النظام العالمي بشكل عام والإقليمي في المنطقة بشكل خاص.

وإذا كانت واشنطن والغرب لن يتمكنا من إيقاف تدهور قوتهما أمام قوة موسكو وبكين الصاعدة فإن الكيان الإسرائيلي لن يكون بمقدوره حماية وجوده أمام محور المقاومة وشعوبه التي تريد استعادة الحقوق التي اغتصبها الكيان الإسرائيلي بدعم من هذه القوى الغربية خلال حربين استعماريتين والتنافس على السيطرة على الشعوب وسيكون من الطبيعي أن يخسر الوكيل الإسرائيلي حين يجد أن خسارة من تبناه ووكله مؤكدة ومقبلة كنتيجة لموازين قوة لا بد أن تفرضها القوى الكبرى التي لم تكن شريكة للقوى الاستعمارية التقليدية التاريخية ومصالحها الاستعمارية.

تاريخ منطقتنا العربية والإسلامية هنا يشهد على أن شعوبها كانت ضحية لقوى الاستعمار البريطاني والفرنسي والأميركي خلال أكثر من قرن من الزمان وقد آن الأوان للتحرر مما فرضته هذه القوى الغربية من سيطرة على مصادر ثروات شعوب المنطقة وسلبها كما آن الأوان لإعادة الحقوق لأصحابها وفي مقدمها حقوق الشعب الفلسطيني التي حرم منها منذ عام 1920 عام الاحتلال البريطاني لفلسطين.

يبدو أن الجنرال عاموس غيلعاد أدرك أن عجز الكيان الإسرائيلي عن التغلب على التحديات والأخطار التي عددها والتي تتراكم وتتفاقم في إسرائيل أمام تراجع النظام العالمي الغربي وبداية انهيار قواعده الامبريالية سيؤدي في النهاية إلى تفكك المشروع الصهيوني في فلسطين وهزيمة مشروع الشرق الأوسط الغربي في هذه المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن