قضايا وآراء

سيناريوهات أميركية

| رزوق الغاوي

ليس جديداً انعدام الثقة بالولايات المتحدة الأميركية، صاحبة التاريخ الإجرامي المتوحش الأسود المعمد بدم الهنود الحمر أصحاب الأرض الأصليين، ودم مئات الآلاف من أبناء العديد من بلدان العالم، وانعدام الثقة بالسلطنة العثمانية المعاصرة، باعتبارها امتدادا لسلفتها سلطنة الحريم سيئة الذكر التي أورثت المنطقة العربية الجهل والتخلف، ووارثة من الطريقة الأميركية كل أساليب المناورة والمراوغة والخداع والنفاق والكذب واغتصاب حقوق الغير، واللعب على تناقضات الآخرين شرقاً وغرباً، عبر مواقف آنية متناقضة ومعايير مزدوجة لا أخلاقية، لتحقيق أهداف عدوانية تكتيكية مشبوهة، وصولاً إلى أهداف أبعد، تتفق مع الأهداف الاستراتيجية الأطلسية.

ولو استعرضنا جانباً من المواقف السياسية والعسكرية التركية، سابقاً وراهناً، لوقفنا على مضي واشنطن وأنقرة في ممارسة الكذب والنفاق السياسي وإطلاق الوعود الخلبية، وخاصةً من خلال حوارهما مع كلٍ من روسيا وإيران حول قضايا تتصل بالأوضاع الراهنة في الشمال السوري، على ضوء الاستعدادات الخاصة بالعملية العسكرية التركية في تلك المنطقة، والتي تهدد أنقرة بها تارة، ثم تلتزم الصمت مبيتة نيات أطماعها وأحقادها تارة أخرى.

في السياق، تعمل أنقرة الآن بدفع أميركي على تعزيز وزنها السياسي والعسكري في بلدان غرب آسيا الإسلامية، في إطار عمل منظمة الدول التركية، بغية فرض سلطتها وسيطرتها على تلك المنطقة الآسيوية، انطلاقاً من مبادئها العثمانية الموروثة، وسعيها لتكريس نفسها سيدةً العالم الإسلامي ومالكته، وتعزيز القدرات العسكرية لتلك الدول الموالية لها، ما يهدد أمن سورية وبلدان الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وتالياً تجيير النتائج إن تسنى لها حصدها، لمصالح حلف شمال الأطلسي الاستراتيجية، وجعل تلك المناطق رهينة لسياسة الحلف الخارجية، بغية زعزعة الاستقرار الإقليمي والدولي.

ومن دون شك تقف أنقرة بدفعٍ أميركي وراء إعادة التوتر إلى ناغورني قره باغ ووقوع اشتباك بين الجيشين الأذري والأرميني قبل أيام أسفر عن قتلى من الجانبين، والشروع في افتعال حالة من التوتر في إقليم كوسوفو بين سكانه الألبان والصربيين تمهيداً لخلق حالة من انعدام الأمن في الإقليم قد يتسع إطارها في منطقة البلقان، وعلى الرغم من أن تفاهمات قمة طهران الأخيرة تبدو إيجابيةً إلى حدٍ ما، فقد برزت في أثناء القمة خلافات ليست بسيطة، بين موسكو وطهران من جهة، وأنقرة من جهة ثانية، حول عدد من القضايا المهمة، فيما يُتَدَاولُ همساً أن ثمة تنسيقاً تحت الطاولة بين واشنطن وأنقرة، الهدف منه إفراغ تلك التفاهمات من محتواها الإيجابي البسيط، والمضي في اعتماد أساليب التسويف والتأجيل والمناورة الصريحة وإضاعة الوقت أملاً في اكتساب أوراق جديدة في لعبة مكشوفة.

غير أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي واجه في طهران انتقادات حادة للسياسة التركية تجاه النزاع بين أذربيجان وأرمينيا، والتهديد بشنّ هجمات عسكرية جديدة على شمالي سورية، بدا غير آبهٍ بتلك الانتقادات مستنداً في ذلك بطبيعة الحال إلى الولايات المتحدة الأميركية حليفته الأطلسية، التي كلفته بتنفيذ السيناريو الأميركي تجاه الشرق الآسيوي انطلاقاً من بلدان غرب آسيا الإسلامية، السوفييتية سابقاً، ومتجاهلاً توجه روسيا وإيران نحو نظام دولي بديل، يرتكز على التعاون الاستراتيجي الثنائي والإقليمي ومواجهة جميع المخططات والسيناريوهات العدوانية، التي تواصل الإمبريالية الأميركية المعاصرة والرأسمالية المتوحشة وضعها ضد الدول والشعوب المناهضة لمجمل السياسة العامة للولايات المتحدة الأميركية، والتي من أهم جوانبها الجديدة، قيام رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي بزيارة إلى جزيرة تايوان الصينية ذات الحكم الذاتي، في استفزاز صريح للصين، لم تكتف بكين إزاءه بمواصلة مناورتها العسكرية حول الجزيرة ، بل أتبعتها بكين بفرض عقوبات غير محددة على بيلوسي وأفراد عائلتها المقربين، وإلغاء لقاء بين قادة عسكريين واجتماعين أمنيَّيْن بين الصين والولايات المتحدة الأميركية.

خلاصة القول: إن إخفاق واشنطن في زرع أسافين في العلاقات الروسية الصينية التي تزداد اتساعاً وإستراتيجية، وفشلها في جعل موسكو تتراجع عن عمليتها العسكرية تجاه أوكرانيا، وفشلها في فرض عقوباتها على روسيا، وارتداد تلك العقوبات عليها نفسها وعلى حلفائها الأوروبيين، كل ذلك حدا بها للهروب إلى الأمام، بالعمل على افتعال أزمات وإشكاليات غير مبررة في أكثر من مكان في الساحتين الأوروبية والآسيوية في محاولة يائسة للخروج من عنق الزجاجة الذي يشدد عليها الخناق، بردود فعلٍ روسية صينية موضوعية ومدروسة ورصينة وحازمة وهادئة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن