قضايا وآراء

مقياس الانتصار ومقياس الهزيمة

| تحسين الحلبي

في حزيران عام 2019 كتب أقدم محلل عسكري في الكيان الإسرائيلي والذي شهد معظم حروب وأشكال العدوان التي نفذها الجيش الإسرائيلي ضد الفلسطينيين والعرب منذ عام 1967 المدعو رون بن يشاي، تحليلاً بعنوان «لماذا لن يحقق الجيش انتصاراً في الحرب المقبلة!» ركز فيه على الأسباب الذاتية التي تمنع ما يسمى بانتصار جيش الاحتلال في حروبه ومعاركه ومنها: «خوف القادة العسكريين من مضاعفات وقوع خسائر بشرية في صفوف الجنود، والأزمات السياسية، والانقسام داخل كل حكومة ائتلافية بسبب مصالح هذا الحزب أو ذاك من نتائج الحرب، وكذلك بسبب التدخل الخطير لعائلات الجنود في ظروف خدمة أبنائهم، وخسارة ضباط كبار يغادرون للبحث عن مصالحهم في الخارج حين ينضمون الى شركات أمنية خاصة إسرائيلية أو أجنبية، وتناقص القوة البشرية».

ويبدو أن بن يشاي تعمد الامتناع عن عرض العوامل والأسباب الخارجية التي تمنع جيش الاحتلال من تحقيق أهدافه الحاسمة وعجزه عن فرض شروطه على الدول أو القوى التي يستهدفها، فالحقيقة التي يمكن استنتاجها من مختلف حروب ومعارك جيش الاحتلال ضد فصائل المقاومة في قطاع غزة، بل وقبل ذلك على الأراضي اللبنانية، تدل تماما على أن أي هزيمة عسكرية لجيش الاحتلال تولد خلال سنوات هزيمة أخرى، وتزيد من ضعف الكيان، ولا ننسى أن مقاييس الهزيمة لجيش الاحتلال يجب أن يجري قياسها بحسب الأهداف التي يحددها لتلك الحرب أو المعركة، وحين نضع ذلك في ميزان الواقع نجد أن جيش الاحتلال لا يحقق معظم هذه الأهداف، وهذا ما يثبته سجل حروبه منذ عام 1982 والهزيمة التي تكبدها على يد المقاومة اللبنانية وحلفائها عام 2000 في ما أطلق عليه اسم «حرب لبنان الأولى» فانسحب دون قيد أو شرط من جنوب لبنان، وكذلك هزيمة ما أطلق عليه «حرب لبنان الثانية» عام 2006 التي جعلته يخوض أطول حرب في تاريخ حروبه ثم يفر منها بعد 34 يوما للبحث عن حل وسط، وكان انتصار عام 2005 الذي فرضته عليه المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة، قد شكل أول انتصار على أرض فلسطين المغتصبة منذ عام 1948 حين فرضت عليه المقاومة نزع مستوطناته ومواقع جيش الاحتلال من أراض القطاع.

وإذا كانت قيمة الانتصار تتحقق بالمحافظة على استمرار نتائجه على الأرض فهذا في واقع الأمر ما حققته المقاومة اللبنانية حين تمكنت من زيادة قدراتها فانتزعت انتصارا ثانيا في عام 2006 وهيأته لزيادة قدراتها أكثر فأكثر، وعلى ساحة قطاع غزة تحاول حكومة يائير لابيد شن حرب إعلامية تضليلية للإيهام بأن العملية العدوانية العسكرية «طلوع الفجر» التي شنها جيش الاحتلال لمدة ثلاثة أيام «حققت أهدافها» لكن واقع الحال يدل على أن هدفها الرئيس كما قال معظم المحللين الإسرائيليين هو الادعاء بالانتصار لكي يزيد لابيد من عدد الأصوات الانتخابية لمصلحته بالاتفاق مع وزير حربه بيني غانتس في الانتخابات المقبلة بعد ثمانين يوماً، وهذا الهدف يصبح التأكد من تحقيقه مؤجلا بانتظار استطلاعات الرأي أو الانتخابات نفسها.

أما الزعم بأن جيش الاحتلال حقق انتصاراً عسكرياً بمعانيه الكبيرة والمألوفة في العلوم العسكرية فهذا ما تفنده نتائج هذا العدوان على كل من قطاع غزة من جهة وعلى الكيان الإسرائيلي من جهة أخرى.

فقد دفعت تل أبيب ثمن هذا العدوان باهظاً بمقاييس المجتمع الإسرائيلي، وتجسد هذا الثمن في:

1- إن تساقط الصواريخ طوال ثلاثة أيام متتالية، واعتراف العدو بسقوط أكثر من ٩٥٠ صاروخاً على مساحة واسعة، يقيم فيها أكثر من مليونين من المستوطنين المختبئين بفزع وذعر من صفارات الإنذار والصواريخ، يعني أن إصابات نفسية ومعنوية وقعت في صفوف المستوطنين وأفراد الجيش البري وبأعداد كبيرة لا تقارن بعدد الجرحى المدنيين في القطاع، مع الإشارة إلى أنه وفي أثناء العدوان وما بعده يقوم العدو بتجنيد وتوظيف آلاف من المختصين النفسانيين في عربات إسعاف سريعة لتقديم الخدمات الطبية النفسية لآلاف المصابين بالصدمات.

2- إن إغلاق مطار بن غوريون في قلب تل أبيب حتى لو لساعات وليس أياما، يعد ضربة قاسية أمام دول العالم ويهود العالم، لكيان يملك قوة كبيرة ولا يضمن أمن مطاره الرئيسي.

3- إن عدداً من يهود العالم الذين تعمل تل أبيب على تهجيرهم إليها سيمتنعون عن الهجرة إلى كيان تتساقط الصواريخ على كل مساحاته وتظهر فيه كذبة القبب الحديدية صارخة.

4- سيلاحظ الكثيرون أن هجرة عكسية بين المستوطنين عادة ما تجري بعد كل عملية كهذه فيفقد المزيد من خزان قواه البشرية وهذا يعني أن الخسائر على المدى القريب والبعيد كثيرة، ومثل هذه الخسائر لا وجود لها عند الفلسطينيين في قطاع غزة، بل إنهم رغم شهداء فقدوهم والدمار ببعض أبنيتهم سينهضون للعمل والبناء متمسكين بلا خوف ولا تردد بل بإيمان فعلي بأنهم انتصروا، أما بنيتهم الصاروخية فقد ظلت قادرة على الاستمرار وبلغوا الأعداء بذلك حين قصفت المقاومة بعد دقائق من موعد إيقاف النار، رشقات صاروخية على مستوطنات غلاف قطاع غزة كرسالة بأن الجولة لم تنته بعد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن