لاتكلُّ واشنطن ولا تمل وهي تبحث عن مستنقعات حرب جديدة لإلهاء من تضعهم في خانة الأعداء ضمن عقيدتها العسكرية وسياستها الخارجية وأولهم روسيا، التي افتعلت لأجلها أزمة شرق أوروبا في أوكرانيا على أمل لجمها، وبذخت في الدعم العسكري لنظام كييف عله يستطيع الصمود في وجه موسكو التي كانت مستعدة بشكل جيد لهذا السيناريو الأميركي.
واشنطن نجحت في إحداث الأزمة الأوكرانية وخاصة مع التماهي السياسي الأوروبي، إلا أنها لا تنفك عن التفكير في صب الزيت على الفتيل التايواني الذي أشعلته قبل أيام، فبكين، بالنسبة لواشنطن، عدو أكثر خطورة من موسكو لجهة تعدد الجبهات من الاقتصادية إلى العسكرية إلى السيطرة على طرق التجارة الدولية.
الاستعداء الأميركي لبكين وموسكو يضاف إليهما طهران وبيونغ يانغ، لتفتح على نفسها واشنطن جبهات بات حسمها يتطلب التضحية بالعديد من القضايا الداخلية للولايات المتحدة الأميركية، وخاصة مع انهيار نظرية الهيمنة الليبرالية التي أثبتت فشلها على أرض الواقع مع انسحاب آخر جندي أميركي من مطار كابل.
بمسألة متماثلة توقع واشنطن نفسها بسباق حروب عبثية لا طائل منها، كما أوقعت غريمها السابق الاتحاد السوفييتي بسباق تسلح أدى إلى انهياره، ولكن الاختلاف هنا أن أميركا تعيش خلافا داخليا عميقاً بين إدارتها التنفيذية ودولتها العميقة التي لا تُشبع «ساديتها» حتى إشعال الكرة الأرضية برمتها.
وهمُ السيطرة التي تعيشها واشنطن سيودي بها إلى نقطة اللاعودة، وخاصة أن تقرير مكتب الموازنة في الكونغرس كشف عن أرقام مرعبة، من بينها أن إجمالي الدين القومي يبلغ نحو 30,6 تريليون دولار، على حين يبلغ الدين العام (بطرح الإقراض الداخلي) 23,9 تريليون دولار، وهو ما يزيد قليلا عن 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، أي إن الولايات المتحدة تتجه نحو الإفلاس الوطني، وذلك بحسب دوغ باندو المساعد الخاص السابق للرئيس الأميركي الأسبق رونالد ريغان وصاحب كتاب «إمبراطورية أميركا العالمية الجديدة».
باندو الذي طرح تساؤلاً مهماً مع ارتفاع النفقات وأسعار الفائدة والعجز والديون وهو: ماذا يحدث للإنفاق العسكري؟ ويجيب بنفسه أنه كالعادة سينشر أعضاء مؤسسة السياسة الخارجية مصطلح «الأمن القومي» باعتباره الورقة الرابحة ضد أي اعتراض على زيادة النفقات العسكرية، وكلما اتسعت رقعة السياسة الخارجية، وزادت النفقات، تضاءل إقناع هذه الحجة، حيث يدرك عدد متزايد من الأميركيين أن الاحتفاظ بقوات في دول خارج الولايات المتحدة لا علاقة له بالدفاع عن الأمن القومي، ومع اشتداد الصعوبات المالية في الداخل من المرجح أن يتضاءل الحماس الشعبي لمعاملة الدول الصناعية الآسيوية والأوروبية على أنها دول عاجزة تعتمد على الجيش الأميركي، ومن المرجح أن يتساءل مزيد من الأميركيين عن سبب قيامهم بالكثير، في حين لا يتمكن الآخرون من المشاركة سوى بالقليل.
أميركا تعيش أزمات حقيقية داخلية وخارجية اقتصادية وسياسية والأمثلة عديدة وعداد الوقت لانهيارها بدأ، وعندما نقول انهيار دولة كبرى مثل الولايات المتحدة لا يعني أننا نتحدث عن أفغانستان أو الصومال أو دولة من دول أميركا اللاتينية، وانهيارها يكون بفقدانها السيطرة على العالم اقتصادياً أولاً وعسكرياً وسياسياً ثانياً وهو أمر قادم لا محالة.