حين تعرض بعض أوساط الكيان الإسرائيلي المتخصصة بالشؤون العسكرية تقييمها السلبي وتحكم بفشل عملية العدوان على قطاع غزة التي أطلق عليها جيش الاحتلال اسم «طلوع الفجر» في 5 آب الجاري، فإن ذلك يعني أن هزيمة نسبية واضحة لحقت بجيش وكيان الاحتلال أمام المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة.
في تقييمه لهذه العملية التي استغرقت ثلاثة أيام، يبين الكاتب الإسرائيلي إيلي بار أون، في المجلة العبرية البحثية «إنتاج المعرفة» الثلاثاء الماضي، أن «على الإسرائيليين ألا يميلوا إلى الإعجاب بنتائج عملية «طلوع الفجر» وألا تثيرهم الحماسة من المهرجان الإعلامي الذي رافقها، ثم ولد فأراً في جبل حملة «الانتخابات»، وهو يحدد هنا أن هدفها جلب الأصوات الانتخابية، ويضيف: «ما جرى كان قتالاً بين دولة متطورة لديها جيش من بين أقوى الجيوش في المنطقة، لكنه لم يحقق أي إنجاز إستراتيجي في هذه العملية أمام منظمة قتالية صغيرة استخدمت عدة آلاف من المقاتلين وبقدرات قليلة نسبياً، فنجحت في تعزيز صمودها خلال أسبوع برغم ما لحق بها من أضرار وخسائر»، ويعترف بار أون أن «حركة الجهاد الإسلامي حققت مكسباً جيداً نتيجة صمودها أمام قوة إسرائيلية شنت عملياتها العسكرية الكبيرة ضدها، لأن هذه الحركة ستعوض كل ما خسرته بسرعة بعد أن حازت على شعبية وسوف تتضاعف ميزانيتها ثلاث مرات»، وهذا يعني أن هذه المقاومة ستكون أكثر قدرة في أي جولة صدام عسكري مقبل.
يضيف بار أون إن «حركة الجهاد وحدها تمكنت من إطلاق 1100 قذيفة وصاروخ خلال 53 ساعة، وصل عدد منها إلى عمق إسرائيل ووجهت بهذه الطريقة ضربة شديدة لقدرات أكبر قوة سلاح جوي في المنطقة بالمقارنة مع انعدام وجود أي قوة دفاع جوي في قطاع غزة تعرقل طلعات سلاح الجو».
يعدد بار أون في تقييمه أوج الخسائر الإسرائيلية الأخرى المادية فيبين أن: «إسرائيل دفعت ثمناً باهظاً نتيجة إغلاق مناطق واسعة خلال أسبوع، فازدادت أعباؤها الاقتصادية وأجبرت عشرات الآلاف على مغادرة بيوتهم ومواقع أعمالهم للانتقال إلى أماكن بعيدة عن سقوط الصواريخ فازدادت الخسائر الاقتصادية بمليارات كثيرة، ناهيك عن ثمن ما سيتطلب تعويضه من قيمة الذخائر التي استهلكت والتعويضات التي ستدفعها لآلاف الجنود الاحتياط الذين استدعتهم وقيمة آلاف الساعات من عمل محركات الطيران والدبابات والناقلات العسكرية والمعدات الثقيلة، يضاف إليها ما سوف تدفعه الدولة كتعويضات عن الأضرار التي لحقت بالأبنية والمنشآت».
ويحذر من تبجح وسائل الإعلام الإسرائيلية مبيناً أن هذه المعركة وقعت مع حركة الجهاد وحدها، فماذا ستكون النتيجة لو أن حماس شاركت إلى جانبها أمام عجز الدفاعات الجوية المضادة للصواريخ عن منع سقوط الصواريخ والقذائف.
ويعترف معظم المحللين في تل أبيب أن هذه المعركة كان هدفها تعزيز شعبية يائير لابيد رئيس حكومة تصريف الأعمال الائتلافية وحزبه «يوجد مستقبل»، وكذلك شعبية وزير دفاعه بيني غانتس رئيس حزب «أزرق أبيض» وزيادة الأصوات الانتخابية لكل حزب منهما، لكن الفشل أحاط بها من هذا الجانب لأن أحداً لا يضمن أن تزيد المقاعد البرلمانية لهذين الحزبين في الانتخابات المقررة في تشرين الثاني المقبل، بل ثمة احتمال بتكرار سقوط الصواريخ في أي رد تقوم به المقاومة ضد أي عدوان إسرائيلي، وهذا ما يحذر منه بار أون حين يؤكد أن هذه العملية لم تحقق أي مكسب إستراتيجي، وأحاطت الخسائر الإسرائيلية بها من جوانب كثيرة.
يبدو أن عملية «طلوع الفجر» ستنضم إلى سجل العمليات والحروب التي شنها جيش الاحتلال منذ عام 2008-2009 للتخلص من المقاومة في قطاع غزة ولم ينجح بل لم يتمكن حتى من تخفيض قدرات المقاومة ومنع زيادة عدد ونوعية صواريخها، ناهيك أن توقف جيش الاحتلال عن الاستمرار في عملية «طلوع الفجر» قبل أيام يثبت وجود تدهور واسع في قدرته على ما يسمى بالردع طالما أن أصابع المقاومين داخل القطاع لا تزال على الزناد.