من دفتر الوطن

مكسر عصا!

| فراس عزيز ديب

دائماً ما تُتَّهم الصحافة والصحفيون بالتقصيرِ بنقل هموم المواطن ومشاكله الاجتماعية والمعاشية العالقة، مع الثقة الكاملة بأن معظم من يوجهون هذهِ الاتهامات لا يقرؤون حتى ما يُكتب في صحافتهم المحلية، يتجاهل هؤلاء بأن دور الصحفي ليسَ (لم اللايكات) ولا مخاطبة العواطف عبر عباراتٍ منفصلةٍ عن الواقع، إنما الدور الأساس يتجسد بموازنة وجهات النظر كافة للوصول إلى الحقيقة.

مع صدور قانون الجرائم الإلكترونية زادت هذهِ الاتهامات مع إضافة تهمة جديدة وهي الجبن الذي يمنع الصحفي من قول الحقيقة، علماً أن بعض المشاهدات المثيرة للضحك على مواقع التواصل الاجتماعي هي قيام أشخاص لديهم حسابات وهمية بالطلب من الصحفي الذي يكتب باسمه الواضح والصريح أن يكون أكثر جرأة وواقعية في نقل الأحداث، مفارقة غريبة أليس كذلك؟!

لنعترف أن الصحفي بالنهاية هو بشر من لحمٍ ودم لديه عائلة ومسؤوليات، إن تسلل الخوف إلى قلمه فالأمر طبيعي لأنه بالنهاية ليس شخصاً فوق القانون ولا منزّهاً عن الخطأ، والأهم أن الجميع يترصد أخطاءه قرَّاء ومعنيين والصحفي الذكي هو الذي يتعاطى مع التغييرات بطريقة متوازنة لا تجعل منه هدفاُ سهلاً ولا تؤثر على أداء مهمته بوعي ومصداقية.

من ناحيةّ ثانية ربما علينا قبل أن نوجه النقد للصحفيين أن نحدِّد ما المطلوب منهم؟ هل يعتقد البعض بأن ما نعيشه من تخبطات في مجالات الاقتصاد والخدمات وحماية المستهلك سيحلها مقال أو تحقيق صحفي؟ التخبطات الإدارية في سورية قادرة على تشتيت حتى أعتى الوسائل الإعلامية أياً كان نوعها، كمثال قبلَ أيام تحدث أحد الوزراء عن الأسباب الحقيقية لرفع أسعار البنزين، بالكاد مرت ساعة خرج تصريح آخر يناقض تصريحات الوزير نفسه ومن الوزارة نفسها، هل لنا أن نتخيل البيئة الصالحة والصادقة التي يعمل فيها الصحفيون قبل توجيه السهام إليهم؟

في الخلاصة: من أخلاقيات العمل الصحفي أن تكون الأفكار المطروحة منبثقة عن المجتمع وعدم الخروج عن عاداته وتقاليده واحترامه، هذا الاحترام ليس نقطة ضعف بقدر ما هو قيمة مضافة تصنع الثوابت عبر العرف قبلَ القوانين، لكن يجب بكل الأحوال ألا يتحول الصحفيون إلى مكسر عصا عبر الطرف الذي يراهم يثيرون المشاكل ولا عبر الطرف الذي ينظر إلى مهنتهم كمثيري مشاكل، الصحفي بالنهاية لا يملك عصا سحرية ليغير كل شيء، قبل أن تحاسبوا الصحفي حاكموا ولو للحظات تلكَ البيئة التي يعمل فيها الصحفيون عندها فقط ستدركون ما ينجزه هؤلاء الأبطال، بل وستدركون بأن المقولة المنسوبة لمارك توين تصلح لكل مكانٍ وزمان:

لقد منّ اللـه علينا بثلاثِ نعمٍ في هذا البلد: حرية التعبير وحرية التفكير والمقدرة على عدم تطبيق أياُ منهما.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن