ثقافة وفن

ثريا الحافظ رائدة في الثقافة والنضال … تصدت لنظرة المجتمع إلى المرأة ولم يقتصر دورها على الكلام

| أنس تللو

ليس عجيباً أن تلقب ثريا الحافظ بلقب الرائدة الأولى في مجتمع الثقافة والنضال، وأن يبقى اسمها خالداً إلى اليوم… فهي سيدة مثقفة مناضلة حملت لأكثر من نصف قرن أعباءً تعجز عن حملها مؤسسة كاملة.

إنها شخصيةٌ وطنيةٌ فذةٌ تصلح بجدارة فائقة لأن تكون نمطاً يعبّر عن ثقافة المرأة في القرن العشرين.

ولدت ثريا الحافظ عام 1911 في دمشق. وذاقت مرارة اليتم وهي في سن الخامسة، وذلك حين أعدم الأتراك والدها الشهيد الأمير أمين لطفي الحافظ مع مجموعة الشهداء العرب في السادس من أيار عام 1916… فكفلها عمها لتعيش في كنفه وكنف أمها.

تزوجت من الصحفي الشهير (منير الريس) صاحب الكلمة الحرة والرأي الشجاع، وقد درست الحافظ في (دار المعلّمات بدمشق) وحازت الشهادة بتفوق عام 1928، وعملت في التدريس مربّية ومديرة بمدارس وزارة التربية، حيث أدّت رسالتها بأمانة وإخلاص، ما أكسبها احترام وتقدير كل مَن عرفها في تلك المرحلة.

كانت فترة حياة ثريا الحافظ يشوبها بعض الظلم الذي كان يقع على كاهل بعض النساء في أوائل القرن الماضي، لأنها ــ أي المرأة ــ كان يُنظر إليها كعضو ضعيف في المجتمع، وهذا ما أدى إلى حرمانها من الكثير من حقوقها كالتعليم والعمل، واختيار الزوج المناسب، بل لقد كانت تُحرم حتى من حرية التفكير.

وأرادت (الحافظ) أن يكون لها دور كبير في التصدي إلى هذه النظرة الرجعية للمرأة، وأدركت أن الخطوة الأولى لهذا الدور هي ليست بإلقاء الخطابات وكتابة المقالات وإعلاء الشعارات، وإنما هي في توعية المرأة بواقعها البائس، ودعم قدرتها وشحذها وتدريبها على تجاوز ما هي فيه من تخلّف وضياع، وفوق ذلك يجب العمل على دعم الوعي الثقافي داخل المجتمع، وذلك للنهوض بالمستوى الاجتماعي والثقافي للمرأة والرجل معاً.

ويبدو أن عمل (الحافظ) في مجال التعليم والإدارة مكَّنها من أن تعايش معاناة وضعف وعجز المرأة في المجتمع الذكوري المتخلّف.

من هنا، ومن خلال هذا الوعي الكبير فقد قامت السيدة ثريا بتشكيل جمعيات تحمل هذا الهدف وتسعى إليه، فكانت ( جمعية خرّيجات دار المعلّمات) التي ضمّت عدداً من الوجوه النسائية البارزة آنذاك، وكانت تهدف إلى تعريف المرأة بقدرتها وتمكينها من القيام بواجبها في الحياة والمجتمع… كما أسست الحافظ مع بعض صديقاتها جمعية (دار كفالة الفتاة) التي كرّست جهودها لتكريم بنات الشهداء… وقد كانت السيدة ثريا أُمّاً حقيقية لكل طالباتها في هذه الجمعيات.

وكان نشاطها الإنساني يفيض عن جمعياتها فيرفد نشاطات جمعيات أهلية أخرى تلبية لنداءاتهم مثل جمعية (رعاية الجندي)، و(جمعية الفنون)، و(جمعية نقطة الحليب)، و(جمعية النساء القوميات)، وكانت تسخِّر نشاطها لتحقيق أهداف هذه الجمعيات.

لم يقتصر عمل ثريا الحافظ على إنشاء الجمعيات فقط، فقد بدأ نشاطها الاجتماعي مذ كانت طالبة في دار المعلمات، من ذلك أنها شاركت في أول تظاهرة نسائيّة خرجت تندّد بالانتداب الفرنسي عام 1928، كما شاركت في النضال ضد الاحتلال الفرنسي فحملت السلاح وشاركت في العمل العسكري، وكان لها دور كبير في إسعاف الجرحى وتمريض المصابين وفي رعاية أطفال الشهداء.

منتدى سكينة الأدبي

على أن من أعظم وأهم الأعمال التي قامت بها ثريا الحافظ في حياتها هو تأسيس (منتدى سكينة الأدبي) الذي تم إشهاره يوم 26 /12/1953، وقد بلغ هذا المنتدى مكاناً واسعاً من الأهمية، ومما دل على ذلك توافد إعلام الأدب والفن والتاريخ ورجال السياسة لحضور حفل إشهاره؛ من أمثال: الزعيم الشعبي (فخري البارودي) والأديب (فؤاد الشايب) والأمير (مصطفى الشهابي)، والدكتور (عبد الكريم اليافي)، والروائية القديرة (إلفت الإدلبي) والدكتور (سامي الدهان) والروائي الدكتور (عبد السلام العجيلي) وغيرهم.

وعلى الرغم من عداء وتزمت بعض المستنكرين لهذا المنتدى؛ فقد قدم أنشطة ثقافية متنوّعة؛ محاضرات وندوات أدبية وتاريخية، شارك في هذه الأمسيات أعلام الأدباء والشعراء في المشرق والمغرب.

وكان من نشاطات المنتدى أنه خصص أياماً للاحتفال بذكرى المناسبات الوطنية والثقافية القديمة مثل ذكرى يوم الجلاء، وذكرى يوم الوحدة بين سورية ومصر، وذكرى يوم الجيش، وغيرها…

لقد كان لهذا المنتدى- والحق يقال- دور كبير في تأجيج النشاط الثقافي والاجتماعي في سورية، وفي توطيد علاقات الأخوة والتعاون.

خلَّفت ثريا الحافظ فوق إرثها الأدبي والثقافي والاجتماعي العظيم مؤلفات أدبية أغنت المكتبة العربية منها كتاب (الحافظيات) وهو يتضمن مقالات من مسيرة حياة الكاتبة نفسها، وكتاب (حدث ذات يوم) الشبيه بسابقه فهو عبارة عن قصص مأخوذة من حياتها.

قضت ثريا الحافظ السنوات الأخيرة من عمرها في التنقّل بين دمشق والعديد من دول العالم، حتى رحيلها في عام 2000، بعد مسيرة دامت أكثر من نصف قرن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن