الأولى

تايوان صينية.. والتوقيت لم يعد أميركياً

| بقلم وضاح عبد ربه

من بوابة تايوان قررت هذه المرة الولايات المتحدة رفع منسوب التصعيد مع الصين، وأرسلت رئيسة مجلس النواب نانسي بيلوسي لتتحدث من تايبيه عن حق تايوان في تقرير مصيرها وتعلن عن مواصلة بلادها تقديم الدعم والوقوف إلى جانب تايوان، في استفزاز وتحد وتجاوز لجميع الخطوط الحمراء التي حذرت منها بكين قبيل هذه الزيارة، وعند كل تصريح أميركي لا يحترم سيادة الصين ومبدأ الصين الواحدة التي تعترف فيه كل دول العالم.

استفزاز بيلوسي الفوضوي والهادف في الدرجة الأولى لرفع رصيد حزبها الديمقراطي في الانتخابات النصفية الأميركية المرتقبة، جاء أيضاً في إطار الدفع نحو افتعال بؤرة توتر جديدة على حدود الصين، ضمن المواجهة التي قررتها واشنطن للحد من النفوذ الصيني وتمدد قدراتها الاقتصادية والتكنولوجية والعسكرية، والتي باتت تهدد كبرى اقتصادات العالم لا بل سبقتها في العديد من المجالات، الأمر الذي اعتبرته واشنطن تهديداً لأمنها القومي ولوجودها ولتربعها على عرش الاقتصاد العالمي، وهو ما يستوجب وفق العقلية الأميركية افتعال بؤر توتر، واشغال الصين بالنزاعات وشن الحملات الاعلامية لشيطنتها، وتوجيه ما لديها من تهم جاهزة ومعلبة لكل من لا ينصاع لسياساتها.

لاتخفي واشنطن ضمن سياق استراتيجيتها المعلنة على لسان مسؤوليها، أن سعيها لن يتوقف للوصول إلى فتح المواجهة مع الصين، حتى لو ذهبت باتجاه الخيارات العسكرية، فطالما حضر الوكيل فلا خسارة بالنسبة للولايات المتحدة مادام دورها سيقتصر على تقديم السلاح والمال والدعم الاعلامي، ومادام انفصاليو تايوان جاهزين لتنفيذ المهمة الأميركية، وهو بالضبط ما فعله وكلاؤها الأوكرانيون والذين دفعوا ببلادهم والعالم نحو المجهول لينفذوا فقط ما أمرهم به السيد الأميركي، وليس ما تقتضيه مصلحة بلادهم، وليدخلوا العالم بانقسامات يدفع اليوم ثمنها باهظا، فيما اللاعب الأميركي يقف متفرجاً وهو يحصي خسائر حلفائه الأوكرانيين والأوروبيين.

التهويل الاعلامي الكبيرلزيارة بيلوسي والرد الصيني وتفسيره في البيت الأبيض يوحي بأن واشنطن تحرص على افتعال أزمة جديدة في علاقاتها مع الصين على أن تبحث لاحقاً عن مخرج يجلسها على طاولة واحدة مع قادتها، بحثاً عن اتفاق يحد من تفوق الصين الاقتصادي والتقني ويحافظ على مصالح الولايات المتحدة التي بدأت تتلاشى مع ظهور أقطاب جديدة، وضعت حداً لسياسات القطب الواحد المبنية على القرصنة والاستيلاء على أراضي وحقوق الغير ونهب الثروات، وضرب عرض الحائط بالقانون الدولي وحق الشعوب وسيادة الدول، الأمر الذي كلف دماء وقتلى بمئات الآلاف بدءا من افغانستان والعراق مروراً بسورية وليبيا وغيرها، ولعل شعوب المنطقة العربية تعرف جيداً وأكثر من غيرها من المسؤول عن هذا الدمار والخراب الذي حل بها.

لذلك جاء رد بكين حاسماً ومنسجماً مع سياستها، ولم يخفها التحدي والاستفزاز الأميركي، فأكدت مجدداً أنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تصرفات واشنطن ولن تسمح لها بتحقيق أهدافها السياسية الداخلية واستخدام «ورقة تايوان» في الانتخابات النصفية المقبلة، وهي بالتأكيد لن تتهاون مع كل من يريد زعزعة واستقرار محيط الصين وأمنها القومي، ولن يكون أمام واشنطن في المستقبل سوى العودة إلى مبدأ الصين الواحدة وأساس البيانات المشتركة الثلاثة بينها وبين الصين.

موقف بكين اليوم وتحركها العسكري المنسجم مع القانون الدولي ليس إلا رسالة واضحة بأن أي المساس بجمهورية الصين الشعبية الواحدة لن يبقى دون رد ودون عقاب وأن محاولات التضليل الإعلامي وشن الحملات المناهضة للصين، لن تفيد، لكون بكين ليست بوارد التنازل في المسائل التي تخص السيادة وسلامة الأراضي، وموقفها هذا ينسجم مع موقف 160 دولة حول العالم دعمت تحركها وأكدت أن تايوان جزء لايتجزأ عن الوطن الأم الصين.

السياسة الصينية التي جلبت الازدهار الاقتصادي والتقدم والتكنولوجيا لشعبها وحولت البلاد إلى قوة عظمى يحسب لها العالم ألف حساب، لن تتمكن منها محاولات أميركية مستميتة لجر الزمن نحو الوراء، فالتوقيت الدولي لم يعد على قياس توقيت واشنطن، والتغير بات حتمياً، فأما أن تنصاع واشنطن هذه المرة للقانون الدولي وتتوقف عن استفزازاتها، وإلا فقد تدفع ثمناً باهظاً سياسياً واقتصادياً في حال أرادت المواجهة مع بكين مباشرة أو من خلال أدواتها في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن