ثقافة وفن

هناك اليوم حمل كبير جداً على الموسيقي لكي يكون قادراً على الاستمرار في العطاء … طاهر مامللي لـ«الوطن»: ليس هناك أحد أهم من الآخر… الكل يجرب ويحاول بما فيهم أنا.. وقد نخطئ

| مايا سلامي - تصوير مصطفى سالم

أيقونة موسيقية سورية أصيلة وأحد أهم أعلام الموسيقا التصويرية التي ارتقى بها إلى أعلى المستويات ونقلها من مكان إلى آخر حتى خلق منها حالة فنية متكاملة تهيم فيها الروح والمشاعر الإنسانية لتشكّل بعداً جديداً وقيمة مضافة لكل مشهد درامي توظف فيه، تاركاً أثره المميز في كل عمل وضع فيه بصمته الخاصة.

وبإبداعه الدائم والمتجدد أثرى مسيرته العريقة من خلال مشاركته في شارات أهم وأضخم الأعمال الدرامية التي رسخت موسيقاها في الذاكرة حتى يومنا هذا وغدت كنشيد يومي نترنم فيه لعلنا نسترد دفء أيام جميلة اشتقنا إليها وكانت موسيقا طاهر مامللي جزءاً لا يتجزأ منها.

«الوطن» تواجدت معه في تحضيرات حفله القادم وخرجت بالحوار الآتي:

• في البداية حدثنا عن الحفل الذي سيقام الأربعاء القادم؟

الجديد في هذا الحفل أن المتلقي سيستمع إلى الأعمال التي أحبها وتقبلها في فترة نهوض الدراما ولكن بأصوات جديدة ومميزة أتمنى أن تنال إعجابه لأنها تستحق إلقاء الضوء عليها في كل المسارح وفي كل الفرص، فقطاع الغناء والموسيقا عندنا لا يساعد الذي يمتهن المجال الفني إلا بأن يعرفه الناس ويحبوه من خلال تقديمه للأعمال التي تحترم الذائقة، في الوقت نفسه

• هذا الحفل ريعه عائد لمرضى سرطان الثدي، فكم من المهم اليوم أن يحمل الفن رسالة ليكون في خدمة القضايا الإنسانية.

الفن يجب أن يحمل رسالة قولاً واحداً لكن الفنانين غير مضطرين أن يكونوا أنبياء وأصحاب رسالة فهذه الحفلات هي حياة ومهنة يعيش منها الكثير من الفنانين والموسيقيين المميزين جداً، كما أن هناك اليوم حملاً كبيراً جداً على الموسيقي لكي يكون قادراً على الاستمرار في العطاء والإبداع في ظل الظروف المعيشية الصعبة. وبالرغم من ذلك نحن لم نقصر في دعم الجمعيات وبالتعاون معهم ففي السابق أقمنا حفلات لدعم أطفال جمعية بسمة وكان هذا قبل الحرب في سورية، واليوم نحن بحاجة أكبر إلى هذه المساهمات لكون ظروف الحياة باتت أصعب فأي طفل مريض أو أي شخص مصاب بالسرطان هو بحاجة كلف عالية من أجل العلاج وواجب علينا مساعدته وكلٌّ بحسب مجاله.

• بعد مسيرتك الطويلة هل ما زلت تحرص على أن تنال أعمالك رضا وإعجاب الجمهور على الرغم من أنه قد لا يكون مختصاً في الشأن الموسيقي؟

يهمني الجمهور وأنا أراه مختص بالشأن الفني فعندما نتحدث اليوم عن الذائقة بأنها متدنية أو هابطة هذا ليس ذنب الجمهور وحده فهناك شركات تقوم بعمل حملات ترويجية لتسويق الأعمال والأغنية الهابطة وهناك دعم مالي ورأس مال كبير يضخ على ما يسمى «الجمهور عاوز كده» وهذا الاصطلاح غير دقيق فالجمهور يستمع للأصوات الجميلة ويميز الموسيقا الرفيعة وهو ناقد أيضاً وإن إعجب ببعض الأحيان بأغاني السوق فهو لا يحترمها لأنه بالنهاية يحب الفنان الذي يحترمه.

• ما سبب تخصصك في الموسيقا التصويرية وتفضيلها على تلحين الأغاني الفردية للمطربين؟

في الحقيقة ليس هناك ما يسمى اختصاص بالموسيقا التصويرية بالنسبة للموسيقي فهو يتعامل مع سبع نوط تصلح للمسرح والسينما والتلفزيون وكأغان منفردة أيضاً، والموسيقا التصويرية يسخرها لأجواء العمل كأسلوب موسيقي لكنها لا تختلف عن بقية النوط. والسبب الرئيسي والجوهري لتوجهنا إلى الشارات هو عدم وجود شركات لإنتاج الغناء والموسيقا لدينا من ناحية ومسألة حقوق النشر من ناحية أخرى فاليوم عندما أقدم أغنية لعلي الديك أنا واثق بأنها ستنتشر لكن عندما أطرح أغنية لي من الممكن ألا يستمع أحد إليها، وبالتالي مشكلتنا أيضاً تكمن في أن الدراما بالنسبة لنا باتت نافذتنا لتقديم مشاريعنا الفنية سواء أحبها الجمهور أم لا وأتمنى أن نكون قد نجحنا في معظم المشاريع.

• من الملاحظ في أعمالك التنوع الكبير في المقامات ضمن الموسيقا الواحدة، فهل تحاول من خلال ذلك خلق مدرسة لحنية جديدة في سورية أم إنه مجرد أسلوب تفضل إتباعه؟

التنقل من مقام إلى مقام يجعل المتلقي غير متوقع ما هو آت، وفي كل عمل يكون هناك منافسة لأصنع ملفاً موسيقياً يعبر عن مسلسل مؤلف من 30 حلقة يجب اختزالها في ثلاث دقائق دون أن يشعر المتلقي بالملل، لذلك في معظم الأعمال التي أقدمها أفاجئ الجمهور بالانتقال من مكان إلى آخر لأن الناس جميعاً وأنا واحد منهم مللنا الجملة المألوفة وشبعنا من الألحان المتوقعة التي نستمع إلى جزء منها ونكمل البقية بأنفسنا فحاولت من خلال الشارة أن أخرج عن المألوف لأحافظ على عنصري الإبهار والدهشة لدى المتلقي.

• لتخلق حالة موسيقية منسجمة مع كل تفاصيل العمل هل تطلع على النص كاملاً أم إنك تكتفي بكلمات الشارة؟

نحن نطلع على النص ونتفق مع المخرج وكلمات الشارة تأتي في المرحلة الأخيرة فأسلوبية العمل كموسيقا مبنية على زمن النص وأحداثه وبالتالي البحث يكون منذ بدايات العمل والاتفاق يكون مع المخرج لنتمكن من الوصول إلى أسلوبية موسيقية ترافق العمل زمنياً ودرامياً.

• ما الجديد الذي تضمنته شارة مسلسل «مع وقف التنفيذ»؟

في مسلسل «مع وقف التنفيذ» نحن اعتمدنا على الغناء الجماعي المعروف باسم « الكورال» لكن أنا لن أطلق عليه ذلك حيث كان هناك مجموعة من المغنين الذين قدموا الشارة، كما أننا لم نعتمد على الطريقة المعتادة بوجود مغن ومرافق له فكانت البطولة المطلقة في الغناء لمجموعة مغنيين كانوا أبطالاً حقيقيين.

• كيف تعاملت مع أغنية «الخاروف» وهي بعيدة تماماً عن النمط الذي تلحنه عادة؟

لم تكن بالنسبة لي نمطاً جديداً أو مختلفاً وكانت ضرورة درامية ومثالاً للنموذج الهابط الذي يحبه ويتداوله الناس بسرعة وهذا سهل جداً لا يحتاج إلى بحث وفي كل دقيقة أي شخص قادر على تقديم أغنية مثل «الخاروف» لكن تأثير هذه الأغاني لا يبقى طويلاً كأغنية التغريبة الفلسطينية التي ترسخت في أذهان الجماهير. وفي السابق قدمنا الكثير من الأغاني المشابهة في مسلسل خان الحرير وذكريات الزمن القادم ولعنة الطين وأحب أن أطمئن الجمهور بأن كل الأغاني السهلة التي تصل إليهم لا تأخذ أي جهد أو تعب.

• اليوم أنت أحد أهم الأسماء الموسيقية في الوسط الدرامي، فهل تطلع على تجارب الآخرين وتقيمها؟

من الناحية الموسيقية ليس هناك أحد أهم من الآخر فكل شخص يقدم ملفه الخاص والكل أيضاً يجرب ويحاول بما فيهم أنا بالتأكيد وقد نخطئ أو نصيب فهناك الكثير من الأعمال التي قدمتها وكنت أتوقع نجاحها موسيقياً لكنها لم تنجح إما بسبب قصة العمل أو أنني لم أستطع إيصال مشروعي إلى الناس بشكل صحيح، وقصة الأهمية تكمن في متابعة الناس للأعمال نفسها مثل الزير سالم كل الناس أحبت الموسيقا لأنها أحبت العمل أيضاً، الدراما انحسرت قليلاً والمستوى الذي نقدمه اختلف من موسم إلى آخر.

• كيف تقيم الواقع الموسيقي في سورية؟

من قبل الحرب الواقع الموسيقي السوري ليس بأفضل حالاته بسبب غياب الشركات والمؤسسات لكن كان هناك نشاطات ودعم من قبل مؤسسة الدولة بشكل أكبر، والشأن الموسيقي مشروع خاسر إن لم يقدم له الدعم المطلوب من جهات رسمية وعامة وهذا ما فقدناه خلال سنوات الحرب ونتج عنه مشكلة هجرة الموسيقيين والمغنيين ما أثر على المنتج الذي نقدمه، والأمل حالياً أن نحافظ على الموجودين من خلال الدعم الجماعي والمباشر.

• من وجهة نظرك ما سبب ضعف الأغنية الوطنية في سورية؟

الخلل هو عدم وجود مؤسسة للإنتاج الغنائي والموسيقي فعندما تتواجد هذه المؤسسة سيكون هناك مشروع للملحنين والمغنين والموسيقيين ولكتّاب الكلمات ونستطيع حينها أن نفرز قطاعات وأنواعاً وألواناً مختلفة من الغناء ويصبح هناك هوية للأغنية السورية إن كانت وطنية أو عاطفية أو حتى نعيد توزيع الأغاني التي سبق وأن أداها كبار الأساتذة وتطوير القدود الحلبية بالإضافة إلى الكثير من الألوان الموسيقية التي يمكننا نشرها وتسجيلها وتوثيقها وهذا لا يتم دون وجود مؤسسة تحفظ هذا التراث.

• هل نعاني اليوم من غياب الكلمة المؤثرة والقوية التي قدمت في الأغاني القديمة مثل سورية يا حبيبتي؟

بعد سورية يا حبيبتي قدمنا أغنية للشاعر إبراهيم طوقان ولمحمود درويش ومجموعة غنائية للأستاذ محمود عبد الكريم وعدة شعراء، لكن المؤسسة الكاملة والمتكاملة ما بين ملحن وكاتب ومغن وموسيقي كلهم بحاجة إلى رعاية حتى نتطور ونوجد هذا القطاع فأزمة الكلمة موجودة بالتأكيد وحتى أزمة ملحنين ومغنيين وهناك أيضاً أزمة في النصوص الدرامية، لكن الأزمة شيء والموت الكامل شيء مختلف.

• لمن يستمع طاهر مامللي؟

لكي لا أتأثر كثيراً أفضل العودة إلى الكلاسيك في الحقيقة وهذا أيضاً بحكم العمر ففي السابق كنت أستمع للبوب بشكل أكبر وفي السابق كان فيها دسم موسيقي أكثر من الآن، وبحكم تغيير نمط الحياة ابتعدت قليلاً عن التيكنو والهيب هوب وكل هذه الألوان التي لم أعد أستسيغها فبالتالي لا أستطيع الحكم عليها وبإمكاني الحكم فقط على الشيء الذي أحببته «بينك فلويد» مثلاً كان الخفيف بالنسبة إلينا وهناك الكثير من الأعمال التي تستحق أن يستمع الفرد إليها ولكن بشكل خاص أميل إلى الكلاسيك وبشكل أكبر للباروك ميوزك.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن