اقتصاد

جائزة لحل: لغـز «الونش» المفقود!

| د. سعـد بساطـة

القصة من أولها: في ثمانينيات القرن الماضي؛ استيقظ المواطنون (في بلد عـربي شقيق سأتحفـّظ على ذكر اسمه) عـلى خبر مريع.. سرقة ونش حفر مترو الأنفاق..؟ ولكن.. كيف تمت سرقته (بحجمه الديناصوري العـملاق) من أكبر ميدان في العـاصمة؟ بدأت تحقيقات الدولة والإدارات؛ والأمن؛ وجرى البحث؛ حتى إنّ الشرطة داهمت محال تجار الخردة.. بلا طائل! أسابيع وشهور؛ ولم يظهر بصيص أمل يقود لنتيجة ضمن التحقيق المفتوح؛ ونسي الناس الموضوع برمـّته! وافتتحت الحكومة بقضـّها وقضيضها المترو بعـد سنوات (ومثل القصص الأسطورية؛ عاشوا بثبات ونبات وخلفوا صبيان وبنات)!

إلى أن أتى زلزال مدمر للعـاصمة (غـير المذكور اسمها)؛ وأتى للبلد تبرعـات كثيرة؛ من دول بشرق المعـمورة وغـربها؛ ومنها شركة دولية لأول مرة تشحن لميناء هذا البلد؛ لفت اسم الشركة المهندس المسؤول (وهو بالمناسبة من «الباحثين عـن المتاعـب»)؛ فطفق ينقـّب في الأوراق والسجلات إلى أن اكتشف أنّ الشركة (التي تقول إنها تتعـامل مع البلد) هي ذاتها التي شحنت «الونش المفقود»!

تواصل صاحبنا مع شركة الشحن متسائلاً؛ فأكـّدت له أنها تشحن لبلده وللميناء المذكور لأول مرة فعـلاً! هنا (حسب التعـبير العـامي: لعـب الفار في عـبو) فتواصل هنا مع شركة تصنيع المعـدات (هي ذاتها شركة تصنيع الونش)؛ وهنا المفاجأة… أجابت الشركة بدقة «كان بيننا مفاوضات لشراء الونش؛ ولم تثمر عـن نتيجة ولم يتم شراء الونش!»!

يعني بكل بساطة: الونش تم شراؤه عـلى الورق؛ وتم شحنه عـلى الورق؛ ووصل عـلى الورق «برضو»؛ تم تخليصه جمركياً عـلى الورق؛ واستلمته شركة إنشاء الأنفاق عـلى الورق أيضاً؛ وجرى تعـيين سائق له ومساعـد وميكانيكي عـلى الورق؛ وجرى صرف وقود له عـلى الورق؛ وتمت صفقات شراء قطع غـيار للتصليح والصيانة عـلى الورق؛ وتم أثناء ذلك شراء ضمائر مجموعـة من شهود الزور ليؤكـّدوا أنهم شاهدوا الونش وهو يحفر بكل همـّة ونشاط…!

سؤالنا: من المسؤول عـن هذه التركيبة الشيطانية؟ مجموعـة من موظفي المترو والجمارك والميناء؛ وقد كسبوا من وراء الحيلة القذرة ملايين الدولارات؛ اقتسموها – بالعـدل – فيما بينهم! وجرى إقفال الموضوع والتحقيقات في حينه؛ وتقييد القضية ضد مجهول؛ إلى أن شاءت الأقدار؛ ولو بعـد سنوات طويلة أن تظهر خيوطاً أدت لكشف الخدعـة.

النتيجة باختصار: الفساد موجود منذ بدء الخليقة؛ وأهم وسيلة لمحوه هي الرقابة المستمرة؛ ولدى كشف عـملية مثل تلك يجب أن يعـاقب أصحابها أشد العـقاب؛ ليكونوا عـبرة للغـير.

سأل مستخدم مديره (عـاشق اللغـة العـربية): لماذا وصلت شركتنا – التي كان لها عـز وسمعـة هائلين– إلى الحضيض؟

أجابه: لأن الأخلاق صارت فعلاً ماضياً؛ والسرقة: فعـل أمر؛ والإدارة: فاعـلاً؛ والموظفين: مفعـولاً به؛ والكسب السريع: مفعـولاً لأجله؛ والفساد: حالاً؛ والرواتب: ممنوعـة من الصرف؛ والضمير: مستتراً؛ والمصلحة الوقتيــة: مبتدأ؛ والالتزام: خبر كان المحذوف؛ والصدق: منفياً؛ والكذب: توكيداً؛ والانتهازية: مفعـولاً مطلقاً؛ والوظيفة: أداة نصب؛ والموظف: حرف جر؛ والخزينة: اسماً مجروراً؛ والفقر: حال العـمال؛ والأوجاع: ظرفاً؛ والسرور: مستثنى؛ فلا تستعـجب من حال مستقبل شركتنا المبني للمجهول؛ فنحن لا محل لنا من الإعـراب!

في الختام: السلطة المطلقة هي باختصار مفسدة مطلقة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن