قضايا وآراء

من الانسداد إلى الفوضى السياسية سر

| أحمد ضيف الله

ما إن اعتبر مقتدى الصدر التظاهرات الحالية «ثورة عفوية سلمية، حررت المنطقة الخضراء كمرحلة أولى»، بحسب تغريدته في الـ30 من تموز 2022، حتى صار الصدريون يتحدثون عن صيغة لنظام حكم رئاسي، وكذلك عن تعليق مؤقت للدستور والإطاحة بمجلس القضاء والمحكمة الاتحادية.

فبعد وقت قصير من دخول أنصار التيار الصدري المجلس النيابي وإعلان الاعتصام فيه، قام العشرات من المعتصمين بالاتجاه نحو مبنى مجلس القضاء الأعلى، ومحاصرته، إلا أنهم بعد بضع ساعات، انسحبوا من المكان بعد تغريدة صالح محمد العراقي (وزير القائد الصدر) بمنع «التعدي على مقرات القضاء والرجوع إلى مجلس النواب»، ووفق ذلك أوضح بيان في الـ31 من تموز 2022، أن رئيسي مجلس القضاء الأعلى فائق زيدان والوزراء مصطفى الكاظمي «بحثا الإجراءات التي اتخذتها الحكومة في حماية مبنى القضاء بعد تطويقه من قبل المتظاهرين».

مقتدى الصدر في تغريدة له في الـ10 من آب الجاري، قال: «أوجه كلامي إلى الجهات القضائية المختصة، وبالأخص رئيس مجلس القضاء الأعلى، آملاً منهم تصحيح المسار، وخصوصاً بعد انتهاء المهل الدستورية الوجيزة وغيرها للبرلمان، باختيار رئيس الجمهورية، وتكليف رئيس وزراء بتشكيل حكومة محاصاتية، فضلاً عن الأغلبية الوطنية أو المستقلة، وبعيداً عن الوجوه القديمة الكالحة التي يئس منها الشعب، على أن يقوم بحل البرلمان بعد تلك المخالفات الدستورية أعلاه خلال مدة لا تتجاوز نهاية الأسبوع المقبل، وتكليف رئيس الجمهورية مشكوراً بتحديد موعد انتخابات مبكرة مشروطة بعدة شروط سنعلن عنها لاحقاً»، وأنه «خلال ذلك يستمر الثوار باعتصاماتهم وثورتهم».

في الـ22 من آذار 2022، وفي ذروة حد النقاشات السياسية بشأن الانسداد السياسي، واحتمال حل المجلس النيابي والذهاب لانتخابات مبكرة، أوضح المجلس الأعلى للقضاء، وهو أعلى سلطة قضائية في بيان له، أن «العراق بلد دستوري ونظامه السياسي وآليات تشكيل السلطات فيه قائمة على أساس المبادئ والأحكام التي حددها دستور جمهورية العراق لسنة 2005»، مشيراً إلى أن «معالجة الاشكاليات السياسية تتم وفق الأحكام الدستورية فقط ولا يجوز لأي جهة سواء كانت قضائية أو غيرها أن تفرض حلاً لحالة الانسداد السياسي إلا وفق أحكام الدستور»، مشدداً على أن «آليات حل مجلس النواب مقيدة بنص المادة 64 من الدستور وملخصها أن المجلس يحل بالأغلبية المطلقة لعدد أعضائه بخيارين لا ثالث لهما، الأول بناء على طلب من ثلث أعضائه والثاني طلب من رئيس مجلس الوزراء وبموافقة رئيس الجمهورية»، مؤكداً أنه «من هذا النص يتضح جلياً عدم امتلاك أي جهة أخرى بما فيها القضاء بشقيه العادي والدستوري صلاحية حل مجلس النواب لعدم وجود سند دستوري أو قانوني لهذا الإجراء».

التيار الصدري كان له 73 نائباً قبل انسحابه من المجلس النيابي، ولديه قاعدة جماهيرية كبيرة، وكان بإمكانه بكل بساطة أن يحل مع حلفائه المجلس ويدعو لانتخابات مبكرة، من دون الحاجة لتوجيه «إنذار» للمجلس الأعلى للقضاء بحل المجلس النيابي، إلا أنه لم يفعل ذلك!

إن ترويج المحللين السياسيين والسذج من «ثوار الساحات»، الذين باتوا يحتلون فضائيات الفتن المعروفة في بث شبه مستمر! بأنه لا يمكن للقضاء عدم الحكم في المنازعات بحجة عدم وجود نص، مشيرين إلى أنه وفق المادة 59 و74 من القانون المدني، بإمكان محكمة البداية حل المؤسسة في حال لم تكن قادرة على أداء دورها أو تحقيق الغرض الذي أنشئت من أجله.

ما يجري الآن لا يختلف عما جرى في الاحتجاجات التشرينية عام 2019، حين رُفع شعار «نازل آخذ حقي»، حيث عمد المحتجون المطالبون بالحقوق ومحاربة الفساد، في منع الموظفين والمدنيين من الدخول إلى مؤسساتهم التعليمة والخدمية لأداء أعمالهم، وضرب من يمتنع عن ذلك، حتى أنهم أغلقوا أبواب هذه المؤسسات بـ«اللحام الكهربائي»! و«ثوار» اليوم، وبتحريض من آخرين يمنعون دخول النواب لممارسة مهامهم بالقوة، وهم من يجب أن يطالهم القانون.

يوم الجمعة 12 آب 2022، خرجت في بغداد وحدها، ثلاث تجمعات احتجاجية، «صلاة قرب مخيمات الاعتصام وللثائرين المعتصمين حصراً» للتيار الصدري داخل المنطقة الخضراء، وتظاهرة «الشعب يحمي الدولة» واعتصام مفتوح على أسوار المنطقة الخضراء لقوى الإطار التنسيقي، وأخرى لـ«قوى التغيير في التيار المدني الديمقراطي» في ساحة الفردوس، إضافة إلى تظاهرات أخرى في ثماني محافظات، اثنتين للإطار التنسيقي، وستٍ للتيار الصدري لـ«إغاظة الفاسدين»! بحسب تغريدة «وزير الصدر».

عرقلة النشاط السياسي، ليس انسداداً، إنما هي فوضى سياسية، ودعوة لعدم احترام السلطات القضائية والتشريعية بما يخل بالسلم الأهلي، لإبقاء الحكومة من دون صلاحيات ومهام واضحة، ومجلس نيابي مشلول، وآخر قضائي على طريق الشلل، لتعطيل حاجات العراقيين لكل الخدمات، تحت مسمى «ثورة إصلاحية».

«والله المستعان على ما تصفون».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن