قضايا وآراء

الحرب الحاسمة

| تحسين الحلبي

تعد الولايات المتحدة من أكثر الدول التي شنت حروباً عدوانية بموجب دراسة نشرها «مركز أبحاث جامعة تافتس» الأميركي، وأعادت نشر معلوماتها المجلة الالكترونية «ميديل إيست آي» في 12 من آب الجاري، وذكرت الدراسة أن الولايات المتحدة خاضت 400 حرب منذ عام 1776 حتى عام 2019، مئة منها في الشرق الأوسط وإفريقيا، وهذا ما يجعلها الدولة الوحيدة في العالم التي لم تكن مهمتها سوى شن الحروب التوسعية في كل بقعة من الكرة الأرضية للهيمنة على العالم وتسخير شعوبه ومصادر ثرواته وسياساته لمصلحتها وفرض نظام عالمي يخدم هذه المصلحة، لكنها بدأت تواجه لأول مرة في كل تاريخها، سعيا مباشراً عسكريا وسياسيا واقتصاديا دؤوباً منذ عقدين تقريباً لتخليص هذا العالم من هيمنتها.

لا شك أن هذه المهمة ستولد عمليات فرز واستقطاب واسعة لحشد أكبر عدد من الدول والقوى لمجابهة نظامها العالمي أحادي القطب، وبناء نظامي عالمي جديد متعدد الأقطاب متوازناً في ادارته للأزمات الدولية وفي تقديره للحلول المناسبة ويبدو أن الحرب التي تقودها الولايات المتحدة والغرب، ضد روسيا في الموضوع الاوكراني، ستشكل أهم مفصل عالمي في المجابهة بين القوتين الكبريين روسيا والصين، وبين قوى الغرب التي احتلت في عهود الاستعمار منذ بداية القرن العشرين دولا كثيرة وتقاسمت سيطرتها عليها طوال قرن، فالكل يلاحظ أن من يقف ضد موسكو وبكين في هذه الأوقات، سواء في موضوع أوكرانيا أم في موضوع تايوان الصينية، هو نفس تلك القوى الاستعمارية مثل بريطانيا وفرنسا والولايات المتحدة، وقد جندت هذه القوى معها كل من ألمانيا واليابان وإيطاليا التي هزمت في الحرب العالمية الثانية، حين شنت الحرب من أجل انتزاع حصتها الاستعمارية وتحولت إلى دول تتحكم بقرارتها واشنطن.

إذا كان هدف الذين أشعلوا نيران الحربين العالميتين الأولى (1914 – 1918) والثانية (1939 – 1945) هو اقتسام العالم بين هذه القوى الاستعمارية التاريخية فإن الحرب التي يشعلونها الآن ضد موسكو وبكين وحلفائهما هدفها واضح وهو حماية نتائج تلك الحروب الاستعمارية وما فرضوه من مصالح على شعوب العالم بعد الحرب العالمية الثانية، والنظام الأميركي الغربي الذي فرضته واشنطن على كل دول العالم، ولذلك أصبحت مجابهة موسكو وبكين وحلفائهما لواشنطن والغرب بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا هي حرب دفاعية من أجل مصلحة كل الشعوب التي فرض عليها الغرب الاستعماري استبداده وسيطرته وسوف تكون أول الحروب العالمية التي ستهزم فيها الولايات المتحدة والغرب.

منذ نيسان الماضي رأى رئيس مركز دراسات «أتلانتيك كاونسيل» فريدريك كيمب في تحليل نشره في موقع «سي– إن- بي– سي» تحت عنوان «هل أصبح العالم جاهزاً لاستقبال نظام عالمي جديد»، رأى أن العالم الآن يسير نحو ما يشبه مرحلة ما بعد الحرب العالمية الثانية بظروف أخرى بعد أن بدأت روسيا عملياتها العسكرية ضد أوكرانيا والأطلسية.

ويعتقد كيمب أن «نجاح الغرب في المحافظة على أوكرانيا واستقلالها وتحالفها مع الغرب سيتيح لواشنطن والغرب صد موسكو وبكين والمحافظة على مكاسب الغرب وعلى النظام العالمي الأميركي السائد»، ويعترف كيمب الذي شارك في «القمة الحكومية العالمية لمنتدى الطاقة العالمية للمجلس الأطلنطي» في الفترة نفسها أنه لم يجد رغبة عند دول الخليج لقطع علاقاتها مع موسكو وبكين بل وجد أن شركاء الولايات المتحدة في الشرق الأوسط فقدوا ثقتهم بقدرة واشنطن على الالتزام بتعهداتها بحمايتهم بعد أن شاهدوا كيف انسحبت من أفغانستان مهزومة من دون أن يكون في مقدورها حمايتهم من نتائج انسحابها، ولذلك يعتقد عدد من المحللين والمسؤولين سابقاً في مراكز القرار الأوروبي والأميركي أن المطلوب إطالة الحرب الأوكرانية ضد روسيا، وإطالة أي حرب مقبلة مع الصين، لأن ظروف مثل هذه الحرب التي ستعد حرباً عالمية ثالثة، حساسة وبالغة الخطورة بسبب الأخطار النووية التي سترافقها والتي يجب تجنبها على مستوى التكتيك أو الإستراتيجية، وهذا بشكل موضوعي ما يجعلها حرباً بين من يريد إنهاء نظام استعماري قديم يظهر بمظاهر جديدة وامبريالية، وبين نظام جديد يسعى لتصفية كل النتائج التاريخية للاستعمار والتي ما تزال مظاهرها واضحة خلال ما يزيد على قرن من الزمان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن