قضايا وآراء

أي مصالحة مع تركيا؟

| مازن جبور

حديث المصالحة السورية التركية، حديث متداول بكثرة في الآونة الأخيرة، ولعل ما حمله إلى الواجهة مجدداً، تصريحات وزير خارجية النظام التركي مولود تشاويش أوغلو، وأياً تكن تصريحاته ومدى مصداقيتها وجديتها من حيث التوقيت والظرف الإقليمي والدولي، فإن المصالحة مع تركيا دولة وشعباً تختلف عن المصالحة مع النظام الحاكم فيها، الذي كان وما يزال يعادي سورية بشتى الوسائل والطرق، ومن ثم فإن السؤال عن أي مصالحة مع النظام التركي؟ هو سؤال جوهري، يتطلب تحديده متابعة لسلوكيات الجانب التركي وليست تصريحاته الإعلامية فقط.

لابد من الإشارة بداية إلى أن اللقاء بين وزير الخارجية والمغتربين فيصل المقداد، ووزير الخارجية التركي مولود تشاويش أوغلو، لم يكن كما تحدث عنه الأخير، ومعروف بالبروتوكولات والأعراف الدبلوماسية، إنه عندما يتم الحديث عن لقاء بين وزيري خارجية دولتين، فلهذا الأمر بروتوكولاته وترتيباته، وإلا فإنه تم بطرق أخرى، هذه الطرق تعطي الحدث أهميته، وتبين مواقف أطرافه، وتمكننا من التحليل لمعرفة الأجندات والخطط المستقبلية.

بحسب المعلومات المسربة فإن اللقاء تم فعلاً خلال انعقاد اجتماع دول عدم الانحياز في العاصمة الصربية بلغراد، منذ ما يقارب 4 أشهر، إلا أن شكل اللقاء يعبر عن المضمون، حيث إن تشاويش أوغلو بقي ينتظر لما يقارب من 15 دقيقة بالقرب من مدخل قاعة الاجتماعات، حتى أتى زعيم الدبلوماسية السورية ليدخل القاعة، فقطع عليه الطريق مرحباً ثم تحدث إليه طالباً استعادة العلاقات بين البلدين، وأنه يجب الترتيب لعقد لقاء بين رئيسي البلدين، ليجيبه المقداد بأن سورية ليست دولة معتدية على تركيا ولا على أحد من جيرانها وأن استعادة العلاقات يتطلب سلوكاً تركياً مختلفاً، وعلى رأسه خروج قوات الاحتلال التركي من الأراضي السورية، وقف دعم وحماية التنظيمات الإرهابية، إعطاء سورية حصتها من مياه دجلة والفرات، وبين له الوزير المقداد بأن هذه شروط أولية ومبدئية ليتم الحديث بعدها عن استعادة العلاقات.

إذاً، حاول تشاويش أوغلو بتصريحاته تلك أن يعطي انطباعاً بأن هناك تنسيقاً مباشراً بين دمشق والنظام التركي، وأن هناك اجتماعاً منظماً ومتفقاً عليه قد تم على هامش اجتماع دول عدم الانحياز في بلغراد، لكن شكل اللقاء وتوقيته والحديث الذي دار بين وزير الخارجية السوري ونظيره التركي، يدل على أن هناك غايات تركية مخفية وراء مثل هذه الأساليب الدبلوماسية، ويمكن القول إنها تزامنت مع تهديدات النظام التركي بعدوان جديد على الأراضي السورية، بذريعة استهداف التنظيمات الكردية، هذا التزامن هدفه التشويش على أي تفاهمات بين دمشق وكردها لمواجهة الاعتداءات التركية، من منطلق الإيحاء بأن هناك تنسيقاً بين أنقرة ودمشق لشن العملية العدوانية على التنظيمات الكردية اللاشرعية.

اللافت أكثر أن اللقاء تم تحت نظر ومقربة من كل وزراء الخارجية العرب، الذين يمكن تقدير أنهم صدموا مما حدث حينها وسارعوا بنقله إلى قادتهم، وقادتهم نقلوه لمن لم يحضر، وبناء عليه من الممكن أنه رتبت اتصالات وتحركات دولية لاحقة فيما يخص الملف السوري.

باختصار، قدمت الدولة السورية وما تزال تقدم توجهاتها السياسية ومنها المصالحة مع الدول حتى المعادية لسورية بشكل صريح وواضح ومبدئي، فهي مع استعادة علاقاتها مع أي دولة بما فيها تركيا إذا ما صححت سلوكها واعترفت بأخطائها وتراجعت عنها، هذا على أقل تقدير، وانطلاقاً من ذلك فإن أي مصالحة مع النظام التركي أو غيره تتطلب منه القيام بسلوكيات مختلفة عن سلوكياته العدائية طوال السنوات السابقة، وفي مقدمتها كما ذكر الوزير المقداد لنظيره التركي، الانسحاب من الأراضي السورية المحتلة، وقف دعم التنظيمات الإرهابية، وإعطاء سورية حصتها من المياه.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن