قضايا وآراء

الاقتصاد الأميركي في ركود والدولار أعلى من قيمته

| الدكتور قحطان السيوفي

عانت أسواق الأسهم الأميركية في النصف الأول من 2022 حالة سيئة وشهدت السندات الحكومية انحداراً كبيراً، فالعملية العسكرية الروسية الحالية في أوكرانيا، ليست مجرد حدث جيوسياسي ضخم، لكنها أيضاً نقطة تحول جيو-اقتصادية.

العقوبات التي فرضها الغرب على روسيا أدت إلى مزالق الركود في الغرب الأميركي والأوروبي بحسب ما ذكر تقرير صادر عن مجلة «فورن بوليسي».

النظام النقدي الدولي بدأ يشهد تغيرات حاسمة نتيجة مزيج من القوى الاقتصادية والجغرافية- السياسية والتكنولوجية، والسؤال هل هذه العوامل ستؤدي إلى تنحي الدولار الأميركي على اعتباره العملة الدولية المهيمنة؟

رغم كل ما سبق، ارتفعت قيمة الدولار مقابل عديد من العملات، بما في ذلك اليورو، وعملياً الدولار أعلى من قيمته الحقيقية بنحو 20 في المئة مقابل أغلب العملات الرئيسة، مثل اليورو والين، والانقسامات في السياسة الأميركية وبعض القضايا البنيوية التي تواجه الاقتصاد الأميركي، من عجز ميزان المدفوعات والحساب الجاري المتكرر، إلى الحروب الثقافية حول الأسلحة النارية والإجهاض وغيرها مما يكفي للإبقاء على المجتمع الأميركي عند نقطة الغليان، وهناك قلق واعتراض سياسي أميركي داخلي على التطور الذي يقوض القدرة التنافسية للولايات المتحدة ويسهم في عجزها التجاري القياسي، مع توترات محتملة لسوق العمل الأميركية.

يرى بعض المحللين أن اليوان الصيني يمكن أن يمثل بديلاً معقولاً للدولار على المدى غير البعيد، على أن تعمل الصين لتشجيع استخدام عملتها على نطاق أوسع وأن يكون سائلا وحرا، من أجل أن يشكل اليوان تهديداً رئيساً لهيمنة الدولار.

قضى الدولار القوي على عائدات بمليارات الدولارات من مبيعات الربع الثاني للشركات الأميركية، والتي تمت بعد صعود العملة الأميركية إلى أعلى مستوى لها منذ 20 عاماً في شهر تموز، بما في ذلك شركات أي بي أم ونتفليكس وجونسون آند جونسون وفيليب موريس، ومن المتوقع أن تتضخم الخسائر لشركات التكنولوجيا العملاقة.

البيانات الاقتصادية في الولايات المتحدة تشير إلى تراجع النشاط الاقتصادي، وتبعث رسائل متضاربة، وتثير سؤالاً: هل أكبر اقتصاد في العالم في حالة ركود؟ الجواب نعم.

الأرقام الصادرة عن وزارة التجارة الأميركية للشهر الماضي، أظهرت انخفاضاً في الناتج المحلي الإجمالي للربع الثاني على التوالي، وهو مؤشر عام على الركود وأكدت ذلك أحدث الأرقام الصادرة عن مكتب التحليل الاقتصادي الأميركي.

الجمهوريون وصفوا ما يجري بأنه «ركود جو بايدن»، والجدل والتخبط الإعلامي في أميركا حول الركود الاقتصادي، يعكس اختلاف وجهات النظر في الموقف من وسائل الإعلام نفسها، في ظل اختلاط الإيديولوجيا بالكيدية السياسية والإثارة وإرضاء الجمهور، وهو يعكس أيضاً حجم الانقسام الداخلي في أميركا.

يقول الخبراء: إن الطبيعة غير المسبوقة للعقوبات على روسيا تخلق مخاطر ركود الاقتصاد الأميركي ومستويات تضخم غير مسبوقة والتي تراجعت معها معدلات النمو، مع توقعات سلبية مستقبلية.

أسعار الطاقة والغذاء هي أسرع طريقة يمكن أن يشعر بها الأميركيون بصدمة بسبب هذه العقوبات، من ناحيته البنك الدولي خفض توقعاته للنمو للاقتصاد الأميركي من 4 بالمئة إلى 3.7 بالمئة.

هناك تغيرات حالية قد تسهم في تقويض سطوة الدولار، إذ يستمر تراجع الهيمنة القوية للولايات المتحدة على الاقتصاد، وحالياً، يمثل الاقتصاد الأميركي نحو 25 في المئة من إجمالي الناتج المحلي العالمي مقابل 30 في المئة في 2000.

فعلى مدار أكثر من عقدين، تحول مركز القوى الاقتصادية تدريجياً، في اتجاه اقتصادات الأسواق الصاعدة بقيادة الصين كما يُسهم ظهور العملات الرقمية، الخاصة والرسمية، بالحد من هيمنة الدولار، الصين والهند، على سبيل المثال، لن تكونا في حاجة عما قريب إلى تحويل عملتيهما إلى الدولار لإجراء المعاملات التجارية، بل سيكون بإمكانهما مبادلة اليوان بالروبية بتكلفة أقل، وبالتالي سيتراجع الاعتماد على الدولار.

باختصار، كلما ازدادت سهولة إجراء المدفوعات الدولية، يمكن أن يتراجع دور الدولار على اعتباره عملة وسيطة في تنفيذ المدفوعات، وبالتوازي، سيتراجع أيضاً استخدام الدولار كعملة مهيمنة.

وفي ظل الاحتمالات بإصدار يوان رقمي في العالم، ازدادت التكهنات بشأن إمكانية تفوق اليوان الصيني على العملات الأخرى وربما منافسته للدولار.

الخلاصة أننا مع الإعلان الذي تم في الـ28 من تموز عن انخفاض الناتج المحلي الإجمالي الأميركي لربعين، بوسعنا أن نكون على يقين بدرجة كبيرة من أن الاقتصاد الأميركي دخل في حالة الركود في وقت مبكر من 2022 علماً أن الدولار أعلى من قيمته الحقيقية بنحو 20 في المئة مقابل أغلب العملات الرئيسة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن