ثقافة وفن

الأمثال الشعبية.. بين التراث الشعبي والأمثال الفصيحة … تسجيل الفلكلور المتوارث عبر الأجيال لغايات اجتماعية وثقافية

| سارة سلامة

صدر عن الهيئة العامة السورية للكتاب، كتاب بعنوان «الأمثال الشعبية.. بين التراث الشعبي والأمثال الفصيحة»، للكاتب محمد رضوان الداية الذي حرص على أن يعرّف الجيل القادم بالجوانب الفكرية والثقافية والاجتماعية، وسائر ما يعرّفهم بمحيطهم الصغير «البلدة والحيّ» ومحيطهم الكبير «البلد أو القطر»، حيث بين في مقدمة كتابه أنه في «الثقافة الاجتماعية ما يلتقطه الفتى والفتاة منذ سني أعمارهم الأولى في أفواه الأهل مباشرة، ومن الجلسات الأسرية كالسهرات والمناسبات، ومن الناس في أحوالهم ومعاملاتهم، حيث كانت في ألعاب التسلية المفيدة الممتعة، في سهرات الأهل والجيران والأصحاب، وجلساتهم، مسابقة شفوية عنوانها «ما مَثَلك؟»، بقيت شائعة ورائجة إلى أن اقتحم جهاز التلفزة المنازل والمقاهي والنوادي، ووصل إلى الشوارع في مناسبات الرياضة وغيرها.

مسابقة ما مثلك؟ مسابقة اجتماعية ثقافية: فيها التسلية والحيوية والفائدة وزيادة المعلومات.. وكان يشترك فيها الصغير والكبير، كل على قدر طاقته وحفظه، وطول نَفسه. ويعتبر الداية أن المثل هو جنس أدبي وهو واحد من أنواع الفلكلور المتوارث مع الأجيال، وتنطلق أهمية المثل العربي عامة، والمثل الشعبي خاصة وسيتبين أثر ذلك الجانب الشعبي، المعرفي، الاجتماعي، الثقافي المتغلغل في المجتمع. وناقش الداية في كتابه هذا المثل الشعبي وصلته بالمثل الفصيح، وأهميته ودلالته، وتعبيره عن جوانب الحياة المختلفة، وضرورة معرفته، والانتباه إليه، والتزود بثقافة مختارة منه «على الأقل»، وبالصلة الموصولة بين المثل الشعبي والأدب والثقافة والفن عامة.

كتب الأمثال الشعبية

في هذا الكتاب يتحدث الدكتور الداية في فصل في الكلام عن الأمثال الحديثة وقال فيها: جمعها الأوروبيون قبل غيرهم في القرن التاسع عشر والقرن العشرين في سورية وفلسطين ومصر والحجاز وغيرها من الأقطار العربية. ونكاد نقول إنه لم يخل قطر عربي من كتاب أو أكثر في الأمثال الدارجة الشائعة في تلك البلدان، على اختلاف درجات الإحصاء والإتقان والشرح إلى غير ذلك.

ولا شك بأن في حماية اللغة العربية تقتضي ممن يمدّ يده إلى التراث الشعبي المنطوق والمكتوب: أن يكون على بصيرة باللغة الفصيحة، وأن تكون لديه خطة لتقريب العامي من الفصيح، وألا يترك النص على عاميته من دون وضع الحواشي اللازمة والاستدراكات والتوجيهات، وأن يعمل على نقل الجيد من ذلك التراث الشعبي إلى اللغة الفصيحة تقريباً أو تلخيصاً أو إعادة صياغة كاملة. حيث إن معالجة التراث الشعبي ينبغي أن تكون باللغة العربية السليمة، ويلزم إعادة عرض القصص الشعبي القديم عرضاً جديداً وبلغة معاصرة سليمة، وعند عرض الأمثال الدارجة يوضع إلى جانبها الأصل الفصيح، أو البديل الفصيح، ليحل محل الدارج على التدريج الذي يسمح به المنهج العلمي المتأني.

مورد المثل

كما أوضح الدكتور الداية أن عبارة «خالف تعرف» ترددت في أوائل القرن الماضي حين خرج الدكتور طه حسين بكتابه «في الشعر الجاهلي» وخالف فيه كثيراً من أساسيات رواية الشعر العربي ومقامات رواته الثقات كالمفضل الضبي والأصمعي والسكري وغيرهم، وكان يقال فيه إنه صنع ذلك ليذكر وشاع هذا المثل الفصيح ودخل في الأمثال الشعبية المشهورة، ومن ذلك «أجود من حاتم» فقد كان جود حاتم الطائي وراء شيوع العبارة، وصيرورتها إلى مثل ما زال حياً إلى اليوم وهذا سبب ورود المثل ويضرب كلما ظهر شخص يفعل أفعال حاتم في الجود أو يقاربها.

ومضرب المثل هو الموقف الذي يستدعى استخدامه للتبرير أو الإقناع وهو يرتبط بالحافز على الاستشهاد به فقولهم «أشجع من عنترة» يضرب مثلاً كلما ظهر مقاتل شجاع مقدام، يفعل ما كان يفعله عنترة، أو يكون مقارباً له.

مقاربات الأمثال الشعبية

وبين الدكتور الداية في مقاربة بين الأمثال الشعبية في البلد الواحد وبين قطر عربي وآخر، كما أن متابع الأمثال في سورية ينتبه إلى كثرة كتب الأمثال، وتوزعها على المحافظات أو على المدن الكبرى مثل دمشق ودرعا والسويداء وحمص وحلب والقلمون والجزيرة الفراتية.. ونقول مثل هذا كثيراً من الأمثال الشعبية العربية على امتداد أقطارها، مع الانتباه إلى اختلافات ملحوظة سببها: الخصوصية الجغرافية «تباعد الأمكنة، واختلاف القارات أحياناً» الخصوصية التاريخية التي يقال فيها «قطرية»، الاختلاف في الطبيعة «بين برّ وبحر، وجبل وسهل، ومدينة وصحراء» الاختلاف في مواد المعيشة في النباتات والأشجار والخضراوات ومواد البناء وتفصيلات العمارة، الاختلاف في الملابس وأشكال المساكن وسائر مرافق الحياة الأثر الداخل على بعض الأقطار من الغريب أو الدخيل، أو المجاور كالأثر التركي في بلاد الشام ومصر، والأثر النوبي في مصر والأثر الإفريقي في السودان والأثر الإسباني في المغرب، والأثر الفرنسي في لبنان وفي بلدان المغرب، والأثر الهندي في بعض بلاد الخليج العربي كأثر الغناء والموسيقا والألحان.

والدكتور محمد رضوان الداية هو أستاذ الأدب والنقد في جامعة دمشق، درس في جامعات الجزائر والإمارات، حاصل على ماجستير ودكتوراه من جامعة القاهرة، وهو عضو مجمع اللغة العربية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن