وقّع أمس روايته الجديدة «لأنه كان» … إسماعيل مروة: الكتابة فعل أناني بالمطلق وقد تؤدي دوراً فاعلاً مجتمعياً
| مايا سلامي
لستة أعوام غادر قلم الأديب د. إسماعيل مروة سطور هذه الرواية التي كانت أوراقها على شفا الموت قبل أن تنتشلها يد ملائكية من ظلمتها وتلملم بعثرة حروفها لتخرج بها إلى النور وتعلن ولادة «لأنه كان» التي جرى توقيعها أمس في مكتبة الأسد بدمشق، بمشاركة رئيس اتحاد الكتّاب العرب د. محمد الحوراني وأستاذ النقد القديم د. حسن الأحمد وأستاذ الأدب العالمي د. راتب سكر وأستاذ الأدب وعضو مجمع اللغة العربية د. محمد شفيق بيطار.
فعل أناني
وفي حديثه عن الرواية قال د. مروة إن الرواية أنجزت وتمت في 2017 لكن لظرف ما قررت ألا أنشرها، ولكن منذ مدة كنت في المكتب أنا والدكتور شفيق ومزقت أوراقي التي قررت أن أنهيها فتدخلت طالبتي نور مطر وتساءلت: هل يمكن أن تعطيني هذه الأوراق لأقرأها؟ بعد أسبوع وجدتها قد عادت بها منضدة وهي غير تامة، وتحملتني مدة عام كامل في التصويب والتعديل والرسائل الصوتية لكوني لا أستطيع أن أكتب لتقوم هي بوضع الأشياء التي أريدها في مكانها».
وأضاف: «بعد ذلك التقيت أحد أصدقائي فقال لي: هناك جائزة عربية، ما رأيك أن تتقدّم لها؟ وعندما تمت الرواية أرسلتها له وبعد أسبوع قال لي: ما أحببت الرواية، ووضع مجموعة من الملاحظات التي أحترمها ولكن أنانيتي المفرطة وحبي لذاتي دفعاني إلى أن أعقد العزم على نشرها متحملاً أعباءها كاملة، فالكتابة فعل أناني بالمطلق وإن حاول أحدنا أن يدّعي أنه يكتب لرسالة أو لغاية أو لأدب».
تنوع في الفصول
وأشار د. سكر إلى أن الرواية تجاوزت الـ400 صفحة وهي مؤلفة من 60 مقطعاً أو فصلاً، ووجود هذا العدد الكبير من الفصول سمح للمؤلف بتنويع موضوعاتها التي حاولت أن تنكشف على الحياة عامة في زمن فني لا يتجاوز عشرين عاماً ويتطابق مع الأزمنة الصعبة التي مررنا بها في بلادنا.
وأكد أن هذا التنوع في الفصول سمح للمؤلف بتنوع الأساليب الفنية والتقنية في بناء سرده الروائي، وأن هذا التنوع في تقنية البناء السردي يمكن أن ينجزه بتقانة استلهام المصادر المعرفية للنص، فمصادر الأديب لا تنحصر بالتجربة الشخصية وإنما تتجاوز ذلك إلى التجربة البشرية التي تتناغم مع التجربة الشخصية إذا كان الكاتب كائناً معرفياً كما هي الحال في كاتب هذه الرواية.
وأوضح أن المقصود بمصطلح الاستلهام أن نأتي بالنصوص الغائبة لإثراء النص الجديد وهذا ما فعله الكاتب في استلهاماته الدينية والقومية والأدبية العربية والعالمية، ونأخذ مثالاً عليه استلهامه لدونكيشوت بشخصية «عبد الله» وصديقه «خالد» وقد دمج «عبد الله» في التنظيم السري شبه المعارض الذي ينتمي إليه «خالد» ولكن انتماءه لهذا التنظيم السياسي السري كان انتماءً غير مؤسس على وعي عقائدي فدوافعه كانت شخصية.
وكشف عن ثاني أهم تقنية في السردية وهي توظيف المسرح داخل النص السردي ولاسيما مسرح المونودراما، فنجد أن مشاهد المونودراما قد سمحت للمؤلف باستبطان الشخصيات نفسياً وسمحت بالإطلالة على شخصيات تاريخية بعيدة مثل سعد بن أبي وقاص أو أبي محجن الثقفي، منوهاً إلى الإفادة من فن السيرة في بناء السرد الروائي الذكي جداً في عالمنا المعاصر.
رواية تاريخية
أما رئيس اتحاد الكتاب د. الحوراني فبين أن الرواية تحتمل أكثر من قراءة، وقد تكون قراءة أحدهم خاطئة لا يفهم كل مقاصدها بشكل صحيح فيفهم منها مثلاً أننا لن نحرر فلسطين حتى نعود للأندلس، أو يفهم أن الكاتب يصف الطيب تيزيني بالملحد، هذه القراءات كلها موجودة وعندما يأتي قارئ حصيف وحيادي ومثقف حقيقي سيوافق على الرواية».
وأضاف: «نعلم أنه يوجد هناك ما يسمى الرواية التاريخية وهي من وجهة نظري من أهم أنواع الروايات ومن أصعبها، فليس بالأمر السهل لأي مثقف أو كاتب أن يذهب باتجاهها، لأن التاريخ جاف وعندما تريد أن تقرأه بكل أحداثه من عهد خالد بن الوليد ومعركة مؤتة مروراً بكل تلك التفاصيل وأحداث الثمانينيات وصولاً إلى الأزمة السورية الأخيرة لتستعرض هذه الأحداث بكل تكتلاتها السياسية والحزبية والصراعات التي كانت بينهم، وهنا لابد أن أؤكد أنني أمام كاتب ومثقف حقيقي قادر على استيعاب كل هذه الأحداث ومن ثم صياغتها بأسلوب أدبي رشيق قريب من المتلقي».
وتابع: «أجاد الدكتور إسماعيل فعلاً وكان مبدعاً إلى الحد الذي يجعلك تمسك الرواية بشكل متواصل حتى تنهيها، لأنها مملوءة بالأحداث التي تحتاج إلى أن يكون القارئ منتبهاً بكل جوارحه وأحاسيسه حتى يستوعبها وليعرف سبب كل التحولات التي تحدث فيها. كما أن الربط المهم بين أحداث الثمانينيات في سورية وأحداث اليوم كان مهماً جداً وهذه هي رسالة المثقف الحقيقية الذي يقرأ الأحداث قراءة واعية ومتأنية حتى نستفيد نحن من هذه التجربة».
رواية بانورامية
وأكد د. الأحمد أننا أمام رواية بانورامية حقيقية تمتد لأربعة عقود وتسير في مكانين متوازيين إلى حد ما بين دمشق وحلب، وأنه على امتداد هذا الزمن كانت الشخصيات قليلة والأمكنة قليلة وهذا مهم لأي عمل روائي أن يختصر هذه المدة الزمنية الواسعة بشخصيات قليلة تطرح ما لديها بعفوية وبساطة ظاهرة.
وفي حديثه عن تفاصيل الرواية أوضح أن «خالد» ناشط سياسي يساري و«أبو مروان» الذي تبنى «خالد» نكتشف لاحقاً أنه ينتمي إلى تنظيم يميني متطرف ومن هذا الحس الإنساني لديه نجد له مسوغات حتى في الوصية التي كتبها قبيل موته، وهو خيار العقل أو الفلسفة الذي تبناه «عبد الله»، وبالرغم من اتصاله المباشر بهاتين الشخصيتين اختار أن يدرس الفلسفة في دمشق ويعطينا هذه الأسماء الكثيرة للأساتذة الذين عاصرهم في تلك المرحلة أيضاً.
وأوضح أن القضية الأهم في هذه الدراسة أنه لم يعمل بشهادته كمدرّس للفلسفة أو بمجال له صلة بهذا التخصص وقد يكون لهذا الإجابة التي يحتاج إليها القارئ لاحقاً، والرواية تريد أن تقول إننا نفتقد النظرية وهذا كان في شخصية خالد.
وختم: في الرواية نفس روحاني موازن لكل ما نتحدث فيه عن انتماءات فكرية أو عقلية وخيار العقل انتهى بموت الشخصية حباً كما في نهاية الرواية عندما يلتقي مصادفة الفتاة التي كان يحبها.