رياضة

ماذا بعد معسكر الريشة الطائرة في روسيا؟ … إهمال ولا مبالاة واللاعبون يشتكون فهل من مجيب؟

| ناصر النجار

لا يمر أسبوع إلا ونسمع عن تغييرات قد تكون شاملة أو جزئية في المؤسسات الرياضية المختلفة، وبغض النظر عن السند القانوني في هذه التغييرات أو الأسباب الموجبة لذلك فإن الكثير من المراقبين رفعوا العديد من إشارات الاستفهام حول بعض المؤسسات الرياضية التي تتجنبها مثل هذه القرارات وكأن هذه المؤسسات تملك الحصانة ولا يجري عليها ما يجري على غيرها.

ومع قناعتنا أن الغاية من كل قرارات التغيير والتبديل والترميم هو إصلاح اعوجاج الخطأ وتقويم المسيرة الرياضية بهذه المؤسسات وصولاً إلى الأفضل على الصعيد الرياضي إدارة وتنظيماً وإنتاجاً وتطوراً، فإننا نستغرب بقاء بعض المؤسسات الرياضية المترهلة على حالها من دون أن تضع القيادة الرياضية بصمتها على هذه المؤسسات من أجل تصحيح أوضاعها وطريقها الخاطئ الذي تسلكه رياضياً.

من هذه المؤسسات اتحاد البلياردو والسنوكر والبولينغ واتحاد الريشة الطائرة وغيرها، وسيقتصر حديثنا اليوم عن اتحاد الريشة الطائرة من باب الأمانة المهنية التي تفرض علينا الإشارة إلى مكامن الخلل ليتم إصلاحها وخصوصاً أن الشكاوى الواردة إلينا باتت كثيرة وهي تحملنا أمانة إيصال معاناة اللعبة إلى من يهمه الأمر.

شماعة

كل الاتحادات الرياضية عندما تسألها عن سوء أوضاعها وتراجع نتائجها تتكئ على الظروف والأزمة، وهذه صارت صك براءة من كل فشل تتعثر به الرياضة ويمنع تطورها ولو خطوة إلى الأمام، لكن هناك (شماعة) جديدة اتخذتها الاتحادات لتنفي تقصيرها فتتذرع بالقواعد التي تبنيها من جديد لتجديد دماء اللعبة ولإعادة بناء اللعبة من جديد وفق أحدث الأساليب العالمية في التدريب والتطوير، وبذلك تكون هذه الاتحادات قد منحت فرصة لوجودها قائمة على العمل عشر سنوات على الأقل، لأن براعم هذه الألعاب لن تتفتح قبل عشر سنوات لنرى نتائج العمل، وهذا ما فعله اتحاد الريشة الطائرة، وأذكر أنني التقيت قبل خمس أو ست سنوات مع أمين سر اتحاد الريشة الطائرة آنذاك المرحوم أحمد خلوصي وقال لي بوجود شهود: إن اتحاده بدأ خطة جديدة للاهتمام بالقواعد وبنائها بالشكل الصحيح ولدينا في الكثير من المحافظات مواهب واعدة وخامات نظيفة لا تحتاج أكثر من الصقل والعناية وسنراهن على ذلك بالقريب العاجل ولا خوف على الريشة الطائرة، مع الإشارة إلى أن اللقاء موثق في جريدة «الوطن»، وبعد كل هذه السنوات لم نر أي أثر لهذه المواهب، وعلى العكس تماماً فقد تراجعت اللعبة أكثر من ذي قبل بسبب سياسة (التطفيش) التي تُمارس على اللاعبين واللاعبات وسياسة (الخيار والفقوس) فضلاً عن لغة المصالح التي باتت تتغلب على أي لغة أخرى.

ومع أن الأصول المرعية في كل العالم تعطي الفرصة لمن يقود أي مؤسسة رياضية دورة أو دورتين، إلا أن رئيسة اتحاد الريشة الطائرة ما زالت على رأس عملها أربع دورات وربما كانت الوحيدة الباقية بين الرعيل الأول مع العلم أن كل الاتحادات الرياضية تبدلت أكثر من أربع مرات إلا رئيسة اتحاد الريشة الطائرة حافظت على موقعها رغم كل ما حدث ويحدث في اتحادها.

ولو أن ركب هذه اللعبة يسير بشكل صحيح ونلاحظ تطورها يوماً بعد يوم لم نكن لنسجل هذه الملاحظة، لكن هذه الرياضة تسير عكس التيار، والشواهد كثيرة، وأكثر ما يزعج أبناء اللعبة عزوف أبطال اللعبة وابتعاد الكثير من لاعبيها لأسباب الإهمال واللامبالاة والكيل بمكيالين.

وسياسة (التطفيش) لم تكن وليدة السنوات الأخيرة، بل كانت نهجاً متبعاً بدأ منذ العقد فغُيّبت أغلب كوادر اللعبة حتى صارت اللعبة فارغة من خبرائها وأبطالها الذين أوصلوها إلى مراتب عالية ومهمة على الصعيد العربي على الأقل، وكان نجوم سورية في اللعبة الرقم الصعب في كل البطولات التي يشاركون بها ويُحسب لهم ألف حساب.

والمشكلة كما أفادنا أبناء اللعبة (وهذا موثق لدينا) أن القائمة على اللعبة اختصرتها لذاتها والولاء يجب أن يكون لها وحدها!

لذلك كانت مسيرة اللعبة مملوءة بالمشاكل والقضايا وبعضها وصل إلى المحاكم وغيرها من الأمور التي تم تسليط الضوء عليها إعلامياً بوقتها.

معسكر روسيا

أقام اتحاد اللعبة معسكراً للمنتخب الوطني في العام الماضي في روسيا لمدة ثلاثة أشهر على أن يستمر بالتتابع لمدة سنتين، وهذا ضمن خطة اتحاد اللعبة في إطار التطوير والاستعداد للبطولات المهمة ومنها دورة المتوسط الأخيرة.

وقد تم صرف مبالغ كبيرة على معسكر روسيا تجاوزت المئة ألف دولار، ولم يحقق أي فائدة فنية للاعبي المنتخب، لذلك اعتذرت اللعبة عن المشاركة في هذه البطولة المهمة حتى لا ينكشف المستور.

ويتحمل اتحاد اللعبة مسؤولية الفشل حسب رأي اللاعبين واللاعبات، من خلال أمور إدارية وفنية عديدة، فالإداري المسؤول كما نقل لنا من كان في المعسكر استغل الوقت في السياحة والمصالح الشخصية الضيقة، ولم يول اللاعبين أي اهتمام، والحصص التدريبية كانت دون المستوى المطلوب، حتى تدخل المدربون الروس فأصبح الوضع أفضل، لأن من ذهب من مدربينا لا يملكون الخبرة المطلوبة، فلم يستفد اللاعبون على مبدأ (فاقد الشيء لا يعطيه).

على الصعيد المعنوي والنفسي فقد تعرض لاعبو المنتخب في هذا المعسكر إلى معاملة غير لائقة من إداري بعثة المنتخب من خلال منعهم من الحركة والتجوال حتى في أيام العطل، إضافة لبعض الألفاظ الخارجة عن الأدب الرياضي، وتعرض أحد اللاعبين (كما ذكر) إلى الدفع والدفش وما يشبه ذلك بمناسبة وغير مناسبة.

على صعيد الإطعام، كانت الكميات لا تكفي وكأن اللاعبين مفروض عليهم اتباع حمية غذائية (ريجيم) وعندما اشتكوا سوء الطعام وقلته، قيل لهم اشتروا ما تريدون على حسابكم!

على الصعيد الفني لم يتدرب المنتخب أكثر من شهرين، وكانت التدريبات تتوقف في العطل الرسمية وغيرها، وعندما طلب اللاعبون أن يتدربوا في هذه الأيام بمفردهم من أجل الحفاظ على الجاهزية قوبل طلبهم بالرفض!

على صعيد التجهيزات والمستلزمات الرياضية لم تكن الأمور جيدة، وكما يعلم الجميع أن مضارب الريشة وريشتها تستهلك، فالمضارب (مثلاً) تحتاج إلى الشدّ والصيانة والأحذية تهترئ بسرعة وهي ذات مواصفات معينة فلا يصلح لهذه اللعبة أي حذاء.

إدارة البعثة لم ترصد هذا الأمر، ولم تتعرف عليه مطلقاً وكانت تطلب من اللاعبين صيانة مضاربهم وكل ما يتعلق بالتجهيزات الرياضية ومستلزمات اللعبة أن يكون من دخلهم الخاص، وفي هذا الأمر قال اللاعبون: منحونا (250 أو300) دولار لمعسكر مدته ثلاثة أشهر وعلينا تأمين ما يسد الجوع، وتعويض المهترئ من الأجهزة الرياضية، فهل هذا معقول، وأين صرفت المبالغ التي رصدوها للمعسكر؟

ماذا بعد؟

انتهى المعسكر وعاد الجميع، ولم يسأل أحد عن اللاعبين، ولم يتم متابعة التدريب عبر معسكر داخلي أو أي شيء من هذا القبيل، وكما نعلم فإن التدريبات الفردية غير مجدية، فخسر اللاعبون جاهزيتهم البدنية والفنية، وخسروا كل شيء جديد تعلموه في روسيا مع المدربين الروس، وهذه مشكلة جديدة واجهت لاعبي ولاعبات المنتخب الوطني.

في الحديث عن النشاطات المحلية فهي شبه متوقفة ولا يقام فيها إلا القليل، وسابقاً (على سبيل المثال) كان ينظم دوري كامل تلعب فيه الفرق مبارياتها بشكل أسبوعي (كدوري كرة القدم) واليوم توقف هذا الدوري، وتوقفت أغلب النشاطات، ولا يملك اتحاد اللعبة العذر المقبول في توقف نشاطاته المحلية واختصارها على القليل القليل منها.

أما المشاركات الخارجية فهي شبه معدومة وإن تمت فهي لبعض اللاعبين من أصحاب الدعم والولاء دون أي معايير فنية.

هناك الكثير من اللاعبين واللاعبات المبرزين من المنتخب الوطني الذين يحملون في سجلهم الذاتي الكثير من الإنجازات والبطولات غادروا إلى بلاد أخرى وتواصلوا مع اتحاد اللعبة ليمثلوا سورية في العديد من البطولات الرسمية في أوروبا من دون أن يتكلف اتحاد اللعبة بأي نفقة أو مصروف، لكن طلبهم هذا لم يحظ بالموافقة دون تبيان الأسباب، وبالمقابل نجد أن بعض الاتحادات وافقت على ذلك كاتحاد الدراجات والسباحة والترياتلون والجمباز وغيرها، وهناك اتحادات تبحث عن لاعب مميز في الغربة والمهجر لتضمه إلى قيودها كاتحادات كرة القدم والسلة واليد وغيرها إلا اتحاد الريشة الطائرة فهو يفضل أن يسبح عكس التيار.

أخيراً

ما تم ذكره هو غيض من فيض وهو تلخيص لمعاناة العديد من لاعبي ولاعبات المنتخب الوطني الذين اشتكوا حال اللعبة إلى «الوطن» وشهاداتهم وشكواهم موثقة في الصحيفة كما قلنا.

والغاية من سرد بعض الوقائع هو العمل على تصحيح مسار اللعبة، وإصلاح مكامن الخلل، وتخطي العقبات والعثرات للوصول إلى حالة إيجابية تعيد اللعبة إلى سابق عهدها من البريق والتوهج والإنجازات.

ونسأل أخيراً: هل سيتم فتح تحقيق بملف معسكر روسيا؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن