اقتصاد

صحافة (دبّر راسك)

| فراس القاضي

بعض المصطلحات تفقد قيمتها، إما بسبب الإفراط في استخدامها، أو بسبب تطور الحالة التي استُنبطت من أجلها، فلا تعود نافعة ولا كافية ولا معبرة عن فداحة ما يحدث، ومن هذه المصطلحات، ما يذكر بكثرة عندما يتم مناقشة أوضاع الصحافة السورية، وخاصة في المناسبات التي تتعلق بها ومنها عيد الصحافة السورية الذي كان يوم أمس، وهي: شجون الصحافة، وذلك لأن مصطلح شجون كذا، يعني أن فيه غير الشجون، وهذا ما لا يتطابق على حالتنا، فقد تحولت الصحافة السورية إلى شجون فقط.

لن نتحدث عن الموضوع المادي، ولا عن الحريات وهوامشها، ولا عن حماية الصحفي، فقد أُفرد لها مئات، إن لم يكن آلاف الصفحات عبر السنين، بل عن النموذج الإعلامي الجديد المطلوب، الذي يبدو – وبشكل واضح – أنه سيتحول إلى مقياس معتمد.

منذ أكثر من عام، تستنفر وزارة الإعلام السورية بكل إداراتها ووسائل إعلامها ومعارفها من منظمات ومراكز ومعاهد ومدربين وأساتذة وموظفين، للترويج لما يُدعى بـ(صحافة الحلول)، وأقامت من أجلها الكثير من ورش العمل التي شارك بها عدد كبير من الصحفيين من مختلف وسائل الإعلام الرسمية.

جميل جداً، بل إنها خطوة عظيمة، وهل أقل من أن يشارك الصحفيون – وخاصة المخضرمين منهم العارفين بأوضاع البلاد بشكل جيد – في إيجاد الحلول لمشاكل البلاد والعباد، وتحديداً في هذه الفترة الحرجة من تاريخ سورية، التي نحتاج فيها لكل فكرة وحل وطريقة للصمود في وجه كل ما يحدث محلياً وإقليمياً وعالمياً؟

لكن لحظة.. ما المقصود بصحافة الحلول؟ لأن المعنى الحقيقي لها موجود، بل هو نهج عمل أغلبية الصحفيين بمختلف أنواع وسائل الإعلام المكتوب والمسموع والمرئي، وأساساً لا تكتمل عناصر المادة الصحفية إن لم تحمل حلاً للمشكلة المطروحة، وإلا فماذا تسمى المادة التي نطرح فيها مشكلة اقتصادية ونستضيف فيها خبيراً اقتصادياً يحللها ويشرح أسبابها ويعيدها إلى جذورها، ثم يطرح الطريقة الصحيحة الواجب اتباعها لحل المشكلة؟ أليست صحافة حلول؟

وماذا تُسمى المادة التي يتحدث فيها الصحفي عن بدايات أمرٍ ما، ويُنذر من تطوره وتحوله إلى مشكلة عبر خبير أو قارئ مختص، ومن ثم يطرح فيها الإجراءات التي تمنع تحولها إلى مشكلة؟ أليست صحافة حلول؟

ملاحقة الصحفي لشكاوى المواطنين، والكتابة عنها، والإلحاح في ذكرها وذكر تطوراتها ونتائجها ومآلات تفاقمها ونتائج إهمالها.. أليست صحافة حلول؟

وأساساً، هل تقبل إداراتنا الصحفية بمواد مبتورة لا حلول مقترحة فيها؟ باستثناء صحافة (الغفلة) و«صحافة اللايكات» طبعاً؟ بالتأكيد لن تقبل بمجرد طرح مشكلة أو موضوع من دون التعمق فيه وتناوله من جميع أو أغلب جوانبه، وذلك لتقدم مادة مهنية محترمة للقارئ أو المستمع أو المتابع، فما المقصود إذاً بصحافة الحلول التي يُروّج لها؟

من خلال متابعة النتائج عبر بعض الزملاء الذين شاركوا في الحملة المستمرة حتى اليوم، التي يُروج لها بأنها ستنتشل زير الصحافة من بير الركود والتكرار، وبعد الاطلاع على بعض المواد التي أنجزت ونالت الاستحسان، تبيّن أن المقصود بصحافة الحلول، هو كيف تصنع بدائل عن بعض أنواع الطعام، عن المحروقات، عن المواصلات، أي كيف تعتمد على نفسك كإنسان سقط من طائرة في الصحراء، أو رمته الأمواج على جزيرة بلا سكان، أو بعد انفجار نووي يمحي الكوكب ويكون هو الناجي الوحيد؟

أي باختصار: سنفعل ما نفعله، ولن نغيّر شيئاً، ولن نستمع إلى نصائح أحد، ولن نجرب حلولاً جديدة، ولن نستورد تجارب ناجحة، وضمن كل هذا، عليك أن تعيش بطريقة ما.

للأمانة، لا نستطيع أن ننكر أن الترويج لهذا النموذج في وسائل الإعلام يدخل تحت مسمى الصحافة، لكن قولاً واحداً ليس صحافة حلول.. بل صحافة (دبّر راسك).

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن