قضايا وآراء

قدرة الاحتمال

| تحسين الحلبي

بعد أسبوع من عدوان جيش الاحتلال على قطاع غزة نشرت صحيفة يديعوت «أحرونوت» الإسرائيلية في 12 من شهر آب الجاري تحقيقاً أعده الصحفي ماتان تسوري حول نتائج سقوط صواريخ المقاومة على مستوطنات غلاف قطاع غزة ومضاعفاته على المستوطنين، واتجه تسوري إلى الاستشهاد بالباحثة النفسية والاجتماعية الإسرائيلية المتخصصة في أحد مراكز الحصانة النفسية التي تتابع الإصابات بالصدمات الناجمة عن مضاعفات الفزع والرعب من سقوط الصواريخ وإطلاق صفارات الإنذار.

يذكر تسوري أن أفراد المجتمع الاستيطاني الإسرائيلي لا يختلفون كثيراً في ردود أفعالهم وشخصياتهم النفسية عن الأوروبيين وخاصة أن معظمهم جيء بهم من أوروبا وثقافتها ومعاييرها النفسية والاجتماعية ولذلك تخصص سلطات الاحتلال في كل مدينة أو مستوطنة مراكز لمعالجة الصدمات النفسية للمصابين أثناء أو بعد كل مجابهة تجري بين قوات الاحتلال وفصائل المقاومة وتعدهم جرحى يتطلبون العلاج اللازم الذي قد يطول في كثير من الأحيان.

وتكشف مواقع التواصل الاجتماعي ووسائل الإعلام العبرية عن استدعاء مئات بل وآلاف أحياناً من المتخصصين بعلاج الصدمات من مراكز العلاج النفسي أثناء المجابهات الحربية للقيام بتقديم الإسعافات النفسية ونقل المصابين إلى مصحات تتطلب الإشراف اليومي عليهم.

وبالمقارنة مع القصف الذي تشنه قوات الاحتلال في القطاع، لا يجد الفلسطينيون بموجب المعايير الدينية والتربوية الوطنية التي يؤمنون بها، أي حاجة لمثل هذا النوع من العلاج النفسي لهم أو لأبنائهم لأنهم محصنون بفضل هذه المعايير من الإصابة بالصدمات النفسية، فهذه المعايير تزيد من قدرة احتمالهم وصمودهم رغم وحشية العدوان عليهم وعلى أطفالهم.

وهذا ما يجعل كفة ميزان الشعب الفلسطيني في هذا العامل بالذات ترجح بقوة الاحتمال والصمود على كفة المستوطنين وجيش الاحتلال، فمقابل عدد الإصابات بجراح ناجمة عن شظايا قنابل العدوان الذي لا يزيد على مئتين أو أكثر في آخر جولة عدوان ضد القطاع، وقع في صفوف المستوطنين بالذات آلاف الإصابات بالصدمة النفسية نتيجة الهلع والرعب من صواريخ المقاومة، بل عشرات الآلاف حين تتساقط صواريخ المقاومة على عدد متزايد من المستوطنات ولفترة أطول.

تسوري سأل في مقاله الباحثة المركزية في معالجة صدمات الفزع والرعب، عن المضاعفات التي خلفتها جولة المجابهة الأخيرة مع قطاع غزة على المستوطنين في هذا الشأن فقالت: «عادة ما تظهر على المستوطنين حالة توتر داخلي تجعل أجسادهم ترتجف من الفزع فهم لا يدركون متى ستصيبهم شظية صاروخ عند أي انفجار يسمعونه فيصبحون مصابين بصدمة نفسية حتى لو لم تصبهم شظية»، وتضيف: «هم لا يحتملون البقاء على هذه الحال لمدة طويلة، ولذلك غادرت عائلات كثيرة المستوطنات لأنها لا تعرف ما سوف تصاب به رغم أن السلطات الإسرائيلية حاولت التمويه حين وصفت هذا الرحيل بمحاولة الخروج لاستعادة الحيوية لكنه هروب واضح».

يعترف تسوري أن «الكثيرين يفضلون الرحيل لأن البقاء في غرفة محصنة لا يطاق أثناء سماع أصوات الانفجارات وصفارات الإنذار»، ويعترف أن المصابين بالصدمات النفسية «تطول عملية تقديم العلاج لهم، فبعضهم يبقى تحت العلاج لأسابيع أو أشهر بل إن بعضهم تبقى أعراض الصدمة تلازمه وتصبح شبه دائمة».

هذا ما تؤكده الباحثة المتخصصة وهي تقول: «من المستحيل على المرء ترميم خدش على مرآة من الزجاج، وهذا ما ينطبق على استحالة ترميم روح ونفسية المصاب بالصدمة في أحيان كثيرة وخاصة من يقيم من المستوطنين قرب حدود قطاع غزة لأن أعراض الصدمة ومضاعفاتها تظل تلازمهم على شكل مرض مزمن نتيجة الآثار التي خلفها الفزع والرعب».

يستنتج تسوري أن «المأساة تكمن في حقيقة أن كل عملية هجوم حربية على القطاع والرد عليها بالصواريخ تؤدي دوماً إلى تعميق هذه الندوب والآثار داخل نفوس ومعنويات المستوطنين».

وفي مثل هذه النتيجة تصبح كل عمليات التصدي لعدوان جيش الاحتلال هي في واقع الأمر حرب استنزاف له وللمستوطنين، وتؤدي إلى رحيل جزء من المستوطنين إلى خارج الكيان الإسرائيلي طالما تستمر المقاومة بهذا النوع من حرب الاستنزاف المتواصلة داخل الأراضي المحتلة ومن حول قطاع غزة، وهذا ما يعد انتصارا للمقاومة ضد كيان يعد نفسه أقوى قوة عسكرية في المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن