تستند إلى الحب والمهارة عندما يقرر الإنسان الاتجاه إلى التكوين، ومنهما نجد أن امتلاك نواصيها يؤدي إلى ظهور المنتج الجيد والجديد الذي يشير إلى أن عملية حب نوعية متكاملة أدت إلى ظهوره، وكل إبداع لدى ظهوره يعلن أن حباً عظيماً ولد وأدى إلى إشارة المجموع إليه والإجماع عليه، فالنصر الحقيقي يكون على القبح والتخلف والجهل والكسل لمصلحة الجمال، والجمال لا يكون إن لم يكن يرضي نفس المحب لأدواته ومواده، ولمن سيؤول ما ينتجه، فالحدائق متنزه الزهور والأوراق، والخريف كآبة واصفرار، وهذا يؤدي إلى العزلة، ويرخي بالوحشة على العبر، والعبرة ترخي بظلالها على الندم، الحب يدفع للاستزادة من العلم والعمل به، ويقضي على الوحدة، يحرك السكون ويبث الأمل.
ليست كل العواصف تأتي لعرقلة الحياة، فبعضها يحضر لكنس الطرقات، وحينما نشعر بأننا نحتاج إلى يد دافئة ولم نجدها تكون يدنا الثانية جاهزة لتشعرنا بأنها تحقق الغاية التي تعني لنا كل الأمان، بعيداً عن الخبث والنكران.
من هذا أبدأ قائلاً: إن الطيور ليست دائماً تقع على أشكالها، وهنا أخالف المثل الشائع حولها، وعندما تحدث ربما تكون مجبرة بحكم غياب الاختيار، وهذه الحياة أمامنا أوقعت الكثيرين من أفراد جنسنا البشري في حبائل ووجوه لا تشبهها أبداً، لكن الاضطرار يأخذ مجراه كما الجداول تحفر مساراتها.
الحياة أخلاق من دون امتلاكها والتمتع بها، لا يمكننا تأطير قيم الجمال والذوق وفهم توافرها في الأشكال، وهذا يعني أن اتفاقنا معها يؤدي إلى ولادة تجانس بين طرفي الحياة التي تخضعنا لقيمة الفكر الإنساني الحامل والموجه لهذه الميزات، من خلال تحليل ما تقدمه له الحواس المادية واللا مادية لأنها تعتبر من أهم أدوات الفكر وآلاته، إضافة لكونها من أهم فرص اكتسابه للمعلومات، بعد أن تنتقل له بفضل الأحاسيس التي تخصه، والمنعكسة عليه من محيطه، فيختار ما يقع من بصره ونظره منها بالتوافق مع شكله الذي يتصور أن به ينمو ويرتقي ويذهب إلى الأمام، وهذا ما نطلق عليه الحب الذي يلغي الكثير من التشابه، ويجمع الاختلاف ويخفي عن البصر ما تراه عيون النظر، ويتعاكس مع ما بدأت به عن الطيور على أشكالها تقع، ويرينا المشاهد كمّاً من التنافر الظاهر بقوة، من دون أن نعلم ما يدور في جوهر المختلفين من الالتقاء والكيفية التي التقيا عليها.
القوانين كالأحياء يجب أن تتطور وتنمو لتحقيق العدالة، حتى وإن بترت، لأن السواد لا يستوعب الإشارة أو حتى التنبيه لذلك، على الرغم من أن الجميع لديه الألباب التي تخضع لدرجة الاستثمار فيها، طبعاً الإشارة تخضع للّبيب الذي يفهمها، لذلك يجب تعميم الوعي بها، وضرورات توافرها له علاقة بما تحمله السماء من ثروات، التي من دونها لا حياة، وعلاقتها المتينة مع الحياة، وهنا أجد أن عادات التاريخ أن يدون نتائج من تلقى النجاح والتألق، ومن تعرض لصنوف العذاب والخيبة، من انتصر ومن انهزم، ومن وصل إلى درجات المجد، ومن ارتمى على عتباته، وبقي بين التعاسة والبؤس، لأن البشر أشكال، فمنهم من اختار الطبيعة ملهماً له، ومنهم من اعتمد الحرب، أو استند إلى البحر، أو تلهى بالنور، أو تفيأ بالظلال، أو اختفى بالظلام، أو استوحى من المرآة طهر وعهر الحياة، والكل يذهب على محور العمل، ومنتجه يرسم له الصعود أو الهبوط، وهنا لا بد أن أخطَّ عن الجاهل والمستهتر، بأنهما يشوهان كل شيء جميل، لمجرد النظر إليه، ولا يمكن الاعتماد عليهما، أو تسليمهما عملاً، فالعمل منفى مطلوب، فيه يتعلم الإنسان أول دروس الصبر وسبل الوصول إلى الإتقان، والصبر يذكي فينا النشاط، والنشاط يبعث في النفوس الهمة والشباب الدائم الذي يجمع بين الذكرى والحماس والعلم، ومنه نتطلع إلى الحياة، فيجذبنا جمالها الذي يغطي على مآسيها.
لاحظوا معي أن العقول الشاردة هي التي تحجب الجمال، والأفكار المتعصبة لا يمكن لها أن تراه، والكسالى مع الخاملين يغمضون أعينهم، فلا يشعرون بما حولهم مهما تحركوا أو سكنوا، أما العاملون الفاعلون فيغدون مؤثرين، لأنهم يرون في الجمال حياةً وقوةً ومجداً، يحولون التصحّر إلى مدنية ومجتمعات، فهم يؤمنون بالحياة الممتلئة بالحب والفرح، لأن الحياة مادة خام، تلهمهم لصناعة كل مفيد وكل جميل.
ما خططته غيضٌ من فيض عنواننا، وأن ننهل منه يعني أننا سرنا على سبل التقدم والنجاح، وأن ندرك معاني الحب العظيم، والعمل به يعني أنّ النتاج العام يكون عظيماً.