اقتصاد

الحرب الباردة التكنولوجية قد تتسبب بالحرب العالمية الثالثة المتوقعة

| طلال أبوغزاله

1. كان أحد أهداف زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي لتايوان هو طمأنة الأخيرة بشأن الحماية الأميركية لها ووقوف الولايات المتحدة بجانبها، في حالة حدوث غزو لها من الصين.

2. تخضع تايوان لحكم محلي ضمن الصين منذ عام 1949، لكن بكين تعتبر الجزيرة التايوانية جزءاً من أراضيها ولديها رغبة في إعادة ضم تايوان إلى الصين.

3. السبب الذي يجعل تايوان مهمة جداً للولايات المتحدة الأميركية وبالتالي لبقية العالم، هو هيمنة تايوان على صناعة المعالجات.

4. إن إنتاج المعالجات هو أمر شديد التعقيد؛ حيث تعمل تايوان على تطوير قدرتها على مدى ما يقرب من أربعين عاماً، وهي تحتكر هذه الصناعة إلى حد كبير من خلال شركة عملاقة واحدة؛ وهي شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC).

5. وقد لوحظت هشاشة الاقتصاد العالمي بالنسبة إلى المعالجات خلال الجائحة حيث تأثرت سلاسل توريد أشباه الموصلات بشدة، وهذا أدى إلى تأثر الصناعات في جميع أنحاء العالم.

6. تُستخدم معالجات أشباه الموصلات في كل شيء من الإلكترونيات ذات الاستخدام اليومي إلى الطائرات وأنظمة الدفاع المتطورة والسيارات الحديثة وكل شيء بينها. لا يستطيع مجتمعنا الحديث العمل من دون هذا الابتكار المهم للغاية، والذي يتراوح في التطور اعتماداً على المكان الذي سيتم استخدامه فيه.

7. إن النقص في أشباه الموصلات الذي بدأ خلال الجائحة دق أجراس الإنذار في جميع أنحاء العالم، ما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع التي تحتاج إلى معالجات.

8. نتيجة سنوات من الابتكار، تحمل شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) عشرات الآلاف من براءات الاختراع، ومن خلال مرافقها للبحث والتطوير ذات المستوى العالمي، تبتكر الشركة باستمرار في العمليات لإنتاج معالجات أصغر وأكثر تقدماً. إن مرافق شركة تايوان متطورة للغاية لدرجة أن مصنعي الشرائح الذين لديهم مرافق لتصنيع المعالجات الخاصة بهم، مثل إنتل، تختار استخدام شركة تايوان لإنتاج أغلبية وحدات المعالجة المركزية الخاصة بها.

9. تنتج شركة تايوان لصناعة رقائق أشباه الموصلات (TSMC 56) من رقائق أشباه الموصلات العالمية وأكثر من 90 بالمئة من المعالجات المتقدمة المستخدمة في تطبيقات الذكاء الاصطناعي المتطورة.

10. من منظور الأعمال التجارية، ليس من الجيد أبداً الاعتماد على مصدر واحد، ولذلك نرى تحركات من العملاقين العالميين الصين والولايات المتحدة لتعزيز إنتاجهما المحلي من المعالجات. يمتلك كلا البلدين مرافق تصنيع معالجات تحتاج إلى تحديث لكي يقللوا من هيمنة تايوان كمورد أساسي لأشباه الموصلات. ولكن القيام بذلك ليس سهلاً بأي حال من الأحوال، فهو يتطلب خبرة متخصصة ومليارات الدولارات ووقتاً للقيام بهذه التحديثات.

11. تتكون المعالجات اليوم مما يصل إلى 12 طبقة مختلفة من الإلكترونيات الموصولة من خلال دائرة ميكروسكوبية، وهو ما يشكل تحديات هندسية وفيزيائية كبيرة؛ حيث يصبح المقياس أصغر، وهذا يؤدي إلى الحاجة إلى ابتكار تقنيات تصنيع أفضل باستمرار.

12. هذا ليس مريحاً للولايات المتحدة أو الصين حيث يتنافسان في هذه الحرب الباردة التكنولوجية. ويقوم كل منهما بتطبيق إجراءات غير قانونية واقتصادية مثل وضع العقبات والتحقيقات والعقوبات والرسوم لاستهداف تقنيات بعضهما وتعزيز مواقفهما الجيوسياسية.

13. في خطوة مهمة، قررت الإدارة الأميركية تمويل قانون حوافز إنتاج أشباه الموصلات (CHIPS) بالكامل؛ حيث تعهدت بمبلغ 52 مليار دولار لتعزيز تصنيع أشباه الموصلات محلياً في الولايات المتحدة؛ حيث إن الولايات المتحدة هي المصمم الرائد للمعالجات في العالم، ومشروع القانون مصمم لزيادة جهودها في مجال أشباه الموصلات، حيث سيتيح 200 مليار دولار على مدى 10 سنوات لمنافسة الصين بشكل أفضل في هذا المجال.

14. نتيجة لذلك، تركز شركة إنتل على تحديث منشآتها الخاصة لتعزيز الإنتاج الأميركي المحلي بتكلفة تقدر بـ20 مليار دولار لتحديث مرافقها في أوهايو المتوقع افتتاحها في أواخر عام 2025.

15. ومن المقرر أن تفتتح شركة سامسونج منشأة تصنيع مماثلة في تكساس ليتم تشغيلها بحلول نهاية عام 2024. وقد أدركت شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) أيضاً هذه التحركات وتخطط لفتح منشأة بقيمة 12 مليار دولار في فينيكس، أريزونا، تشمل مرافق تصنيع متقدمة للمعالجات. هذا وتوجد ثماني شركات من أصل خمس عشرة من أكبر شركات أشباه الموصلات في العالم في الولايات المتحدة، وتتصدر إنتل المجموعة من حيث المبيعات العالمية.

16. دعا الرئيس شي جين بينغ الصين مراراً وتكراراً إلى إعطاء الأولوية للاكتفاء الذاتي ويريدها أن تلبي 70 بالمئة من احتياجاتها المحلية من المعالجات بموجب سياسة «صنع في الصين 2025». ومع ذلك، استطاعت الصين تلبية 16 بالمئة فقط من احتياجاتها في عام 2019، ولا تزال مستورداً أساسياً للمعالجات، حيث تخضع لتقييد ضوابط التصدير من قبل الولايات المتحدة.

17. على حين تقوم الصين باستقطاب المواهب الدولية في هذا المجال لتعزيز خبرتها في مجال أشباه الموصلات، فقد واجهت صعوبة في التعامل مع الشركات الخارجية التي تعتبر بالغة الأهمية في سلسلة توريد أشباه الموصلات. تعتبر الشركة الهولندية ASML هي المورد الوحيد لآلات تصنيع الرقائق الحجرية المهمة المستخدمة في حفر رقائق السيليكون لإنتاج تصميمات أكثر كفاءة.

18. ونتيجة لتدخل الولايات المتحدة، تم حظر الصادرات من ASML إلى الصين وشددت الولايات المتحدة قيود التصدير على شركات التكنولوجيا الصينية، مثل هواوي وغيرها، حتى إن شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات (TSMC) فرضت قيوداً شديدة على تعاملاتها مع المؤسسات الصينية.

19. تتقدم الولايات المتحدة على الصين في قطاع أشباه الموصلات من حيث البحث والتطوير والتصنيع. ولدى الولايات المتحدة حلفاء دوليون في هذا المجال ولها تأثير كبير في الساحة الدولية، حيث تستقطب المواهب وتدعم المواقف التأييدية للولايات المتحدة والمناهضة للصين عندما يتعلق الأمر بالمعالجات.

20. أرى أن تقدم الصين التقني سيعتمد على كيفية تقدم علاقاتها مع الولايات المتحدة ومستوى الدبلوماسية التي يمكن أن تستغلها في مفاوضاتها مع العم سام.

21. على الرغم من ذلك، ينبغي لنا ألا نستبعد الصين تماماً، لأنها واسعة الحيلة ويمكنها أن تستفيد من خبرتها في تطوير القدرات الداخلية، وتعزيز علاقات أفضل مع مصنعي أشباه الموصلات الدوليين، وشراء الشركات الأجنبية التي يمكنها سد الثغرات الموجودة لديها، وكذلك حشد المزيد من الموارد لدعم أنشطة البحث والتطوير.

22. تحتاج كل من الولايات المتحدة والصين إلى وقت لتطوير البنية التحتية لتصنيع أشباه الموصلات، لأن هذا الأمر مكلف ويستغرق وقتاً طويلاً؛ حيث يتكلف بناء مثل هذه المرافق المليارات ويستغرق بناؤها سنوات حتى تعمل بشكل كامل. هذا يعني أنه على المدى القصير على الأقل، ستستمر تايوان في لعب دور مهم في قطاع أشباه الموصلات العالمي، وفي «الحرب الصينية الأميركية» المتوقعة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن