قضايا وآراء

أي الفسطاطين أكثر عدداً؟

| أحمد ضيف الله

ما إن أنهى التيار الصدري صلاة الجمعة الموحدة داخل المنطقة الخضراء في الـ12 من آب 2022، لدعم اعتصام أنصاره أمام مدخل مبنى المجلس النيابي ومقترباته، مستعرضاً قوته، حتى خرجت عصراً تظاهرتان، واحدة لـ«قوى التغيير في التيار المدني الديمقراطي» في ساحة الفردوس وسط بغداد، وثانية لأنصار «الإطار التنسيقي» قرب الجسر المعلق بجانب أسوار المنطقة الخضراء من الخارج تحت شعار «الشعب يحمي الدولة»، تحولت فيما بعد إلى اعتصام مفتوح.

ادعاء التيار الصدري، بأن «متظاهري الساحات التشرينية» يشاركونهم في التظاهرات والاعتصام داخل المنطقة الخضراء، غير دقيق، فالتظاهرة التي أقامتها «قوى التغيير في التيار المدني الديمقراطي» في ساحة الفردوس وسط بغداد، التي شارك فيها الحزب الشيوعي العراقي والبيت الوطني والتيار الاجتماعي الديمقراطي وحزب الأمة العراقية وحركة «نازل آخذ حقي»، وغيرها من القوى، كانت عكس ذلك، مؤكدين أنهم لم يشاركوا التيار الصدري ولا الإطار التنسيقي لا في تظاهراتهم ولا في اعتصاماتهم.

الإطار التنسيقي ومن خلال التظاهرة والاعتصام المفتوح، أراد أن يوصل رسالة، بأنه أيضاً يملك شارعاً كبيراً ومؤثراً، موازياً لحجم التظاهرات الصدرية، ما دفع «وزير الصدر» صالح محمد العراقي إلى الإعلان في تغريدة له، «صار لزاماً عليَّ أن أتحرّى أي الفسطاطين أكثر عدداً وأوسع تعاطفاً عند الشعب العراقي»؟، داعياً إلى تظاهرة مليونية موحدة من جميع محافظات العراق ومناطقه، محدداً لاحقاً، يوم السبت 20 آب الجاري موعداً لانطلاقة التظاهرة المليونية.

اللجنة المنظمة لتظاهرات الإطار التنسيقي، وكما يبدو رداً على دعوة التيار الصدري لتظاهرة مليونية، دعت في بيان لها في الـ15 من آب الجاري «الاستعداد العالي والجهوزية التامة للانطلاق بتظاهرات جماهيرية كبرى، لدعم دولتكم ونصرة قضاياكم العادلة»، واعدة بتحديد «زمان ومكان التظاهرات القادمة» قريباً.

مقتدى الصدر، وفي تغريدة له في الـ16 من آب الجاري، أعلن أنه «حباً بالعراق وعشقاً لشعبه ومقدساته أعلن تأجيل موعد تظاهرة يوم السبت إلى إشعار آخر لكي أفشل مخططاتكم الخبيثة».

التظاهرات التي خرجت يوم الجمعة 12 آب 2022، حيث وقفت القوى المتصارعة الرئيسة وجهاً لوجه في الشارع، أوضحت من دون أي شك، أن الشارع لا يمكن أن تستحوذ عليه جهة من دون أخرى، وأنه لا يمكن لأي طرف فرض حلوله أو صيَغ حُكم يراها مناسبة، على أنه الوحيد القادر على التحكم بمجريات الصراع السياسي، فمن البديهي أن يكون لأي شارع جماهيري شارع آخر مقابل له.

صحيح أن السور الإسمنتي العالي للمنطقة الخضراء في بغداد، والمسافة الكبيرة كانت عازلة بين جمهوري التيار والإطار والمتظاهرين، إلا أن الاحتكاك فيما بينهما، وربما التصادم في باقي المحافظات العراقية، أمر ممكن، والذي يُخشى من إمكانية تطوره إلى صدام مسلح بين الطرفين، حيث تسعى وتعمل إسرائيل ودول التطبيع الخليجية الدفع باتجاه ذلك، محرضين الصدر على الاستمرار في ثورته الإصلاحية!

ومما يثير العجب، أنه رغم تأكيد مجلس القضاء الأعلى سابقاً في الـ22 من آذار 2022، ولاحقاً في بيانه في الـ14 من آب 2022 رداً على طلب الصدر بحل المجلس النيابي، بأنه «لا يملك الصلاحية لحل ‏مجلس النواب»، كما لا تمتلك «أي جهة أخرى بما فيها القضاء بشقيه العادي والدستوري صلاحية حل مجلس النواب لعدم وجود سند دستوري أو قانوني لهذا الإجراء»، داعياً «كافة الجهات السياسية ‏والإعلامية إلى عدم زج القضاء في الخصومات والمنافسات السياسية»، قدم أمين عام الكتلة الصدرية نصار الربيعي في الـ14 من آب 2022، دعوى قضائية إلى المحكمة الاتحادية العليا ضد الرئاسات الثلاث، مطالباً بـ«حل مجلس النواب للدورة الخامسة الحالية للأسباب الواردة في عريضة الدعوى، فضلاً عن إلزام رئيس الجمهورية بتحديد موعد لإجراء الانتخابات التشريعية»! علماً أن المحكمة الاتحادية العليا سبق أن ردت في الأول من آب 2022، دعوى مماثلة أقامها رائد فهمي سكرتير الحزب الشيوعي العراقي ومحمد حسين رضا الأمين العام لحزب الأمة العراقية على رئيس مجلس النواب محمد الحلبوسي لفشل المجلس في انتخاب رئيس جديد للجمهورية، وتأخر تشكيل الحكومة.

منازلات الشوارع، و«أبي أقوى من أبوك»، و«أي الفسطاطين أكثر عدداً»، وأن «لا فائدة تُرتجى من الحوار»، لن تؤدي إلى أي حلول لإنهاء حالة الفوضى السياسية، وخاصة أن التيار الصدري ليس هو كل الجمهور العراقي الذي تجاوز 40 مليون نسمة والمنقسم بين أحزاب وأطياف ومذاهب وقوميات ولكل منهم شارعه، فلا يجوز اختزالهم لمصلحتهم صراع شخصي واضح.

الحوار، وعدم التصعيد، والجلوس إلى طاولة حوار واحدة، والاحتكام إلى القانون والدستور على علاته، هو السبيل الوحيد للخروج من الأزمة، ومن مخاطر الانزلاق نحو الفوضى والانفلات الأمني، رحمة بالعراقيين، وحفظاً لأمنهم ودمهم، وهيبة مؤسسات دولتهم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن