قضايا وآراء

تل أبيب وتدهور النفوذ الأميركي

| تحسين الحلبي

كشف العميد المتقاعد في جيش الاحتلال ورئيس مجلس الأمن القومي في الكيان الإسرائيلي سابقاً يعقوب عميدرور في 17 آب الجاري في مجلة «جويش نيوز سينديكيت» أن عدداً من أعضاء البرلمان الأوروبي ذكروا له أنهم «لا يفهمون ما الذي يجري الآن في الشرق الأوسط، ويخشون من التغيرات التي قد تطرأ عليه، فقلت لهم: إن مؤسسي إسرائيل حاولوا منذ البداية رسم خطة لبناء حلف مع دول الجوار العربي غير العربية وهي إيران وتركيا وأكراد العراق قرب سورية في الشمال، وإثيوبيا قرب السودان في الجنوب، لأنه كان من المستحيل في ذلك الوقت عقد أي حلف مع أي دولة عربية باستثناء القيام باتصالات سرية محدودة جداً».

ويؤكد عميدرور أن هذه الإستراتيجية فشلت لأن الثورة الإيرانية عام 1979 أسقطت شاه إيران الحليف الموثوق لإسرائيل والولايات المتحدة، وأعلنت الحرب على الكيان الإسرائيلي وأحبط العراقيون المخطط الأميركي – الإسرائيلي لتقسيم العراق وإنشاء دولة كردية في الشمال العراقي، واستمرت سياسة تركيا متأرجحة تجاه تل أبيب، ولم تقدم دولة جنوب السودان التي قسمت السودان بدعم إسرائيلي وأميركي، المصالح التي يحتاجها الكيان الإسرائيلي.

ويعترف عميدرور أن «اتفاقات التسوية التي عقدتها مصر والأردن ومنظمة التحرير، وما تلاها من تطبيع بعض الدول العربية في عهد الرئيس الأميركي دونالد ترامب لم تغير مواقف العرب المعادية لإسرائيل، ولم تشكل دوراً لإضعاف قدرات إيران العسكرية وتغيير سياستها هي وسورية»، ويعترف أن بعض الدول العربية الصديقة للولايات المتحدة، لاحظت ازدياد تدهور النفوذ الأميركي في المنطقة بعد هزيمة جيشها في أفغانستان وانسحابها منها وتخليها عن نظام كابول وجيشه وتسليم البلاد لحركة طالبان التي حاربتها طوال 21 سنة، ويشير إلى أن هذه الدول وفي مقدمتها السعودية والإمارات بدأت تتجه إلى تسوية علاقاتها مع إيران وتتخلى عن أي خيارات أخرى تفضلها إسرائيل وهذا ما سوف يهدد بفرض وجود شرق أوسط مغاير لما تريده تل أبيب وواشنطن».

ويعزو عميدرور هذا الاحتمال في تحليله إلى عدد من الأسباب أهمها:

أولاً: ولادة تحالف علني تزداد متانته بين موسكو وبكين على المستوى الدولي وتعاظم دوره في فرض جدول عمل مشترك مع أطراف محور المقاومة، يعرض مصالح تل أبيب وواشنطن لتدهور وعجز في تنفيذ خططهما ضد سورية وإيران والمقاومة اللبنانية والفلسطينية.

ثانياً: تزايد الصعوبات والتحديات الدولية والإقليمية التي ستواجهها تل أبيب في تنفيذ سياستها الهادفة لفرض شروطها على الفلسطينيين إذا اتجه العالم نحو وضع دولي متعدد الأقطاب يدفع النفوذ الأميركي الغربي ثمنه في الشرق الأوسط على شكل عجز عن حماية المصالح الإسرائيلية.

لا شك أن حكومة الكيان الإسرائيلي تدرك أنها لم تنشأ عام 1948 إلا على قاعدة النظام العالمي الأميركي الذي فرضته واشنطن بعد انتهاء الحرب العالمية الثانية، ولذلك يصبح كل تغيير تفرضه موسكو وبكين في هذه الظروف الجديدة على قواعد هذا النظام، وسيلة لزعزعة مستقبل الكيان الإسرائيلي وسياساته التوسعية.

بالمقابل ستجد أطراف وقوى محور المقاومة في هذا التغيير، أهم وسيلة تتيح لها تحقيق مصالح شعوبها واستعادة حقوق سورية والفلسطينيين من المحتلين الإسرائيليين، وهذا ما لن يكون في مقدور تل أبيب الهروب من استحقاقاته لأن كل تغيير يطرأ على النظام العالمي الغربي الأميركي الراهن لمصلحة موسكو وبكين سيفرض تغييراً ملموساً على ميزان القوى الإقليمي في المنطقة لمصلحة أطراف محور المقاومة التي جابهت مع موسكو وبكين الهيمنة الغربية الأميركية، وهذا ما توقعه الموقع الأوروبي الإليكتروني «إيغمونت» في 13 حزيران الماضي في تحليل بعنوان: «كيف ستفرض الحرب في أوكرانيا نظاماً عالمياً متعدد الأقطاب»، يتبين منه أن «استمرار التحالف الروسي – الصيني ضد واشنطن والغرب سيشكل نقطة تحول في نظام السياسة العالمية الأميركي وسوف يؤدي ذلك إلى ظهور نظام عالمي متعدد الأقطاب يتشكل هذه المرة من قطبين عالميين هما موسكو وبكين من جهة، وقطب أميركي – أوروبي من جهة أخرى من واشنطن ودول أوروبية، تتناقض المصالح والأهداف بين هذين القطبين بشكل حاد وتناحري».

من الواضح أن إعلان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين عن استعداد بلاده تصدير الأسلحة لأي دولة صديقة وحليفة، هو المقدمة الملموسة لتوسيع دائرة مجابهة العالم الغربي الاستعماري التاريخي ومصالحه التي فرضها على الشعوب والنتائج التي ولّدها نظام ما بعد الحرب العالمية الثانية في منطقة الشرق الأوسط على فلسطين وحروب الكيان الإسرائيلي ضد شعوب المنطقة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن