اقتصاد

تريد تسويق منتجاتك اذهب لملعـب؟

| د. سعـد بساطـة

عندما نتحدث عـن تفاوض لوصول إلى تسويات؛ أول ما يتبادر لذهننا: طاولة اجتماعـات ضخمة في قاعـة رسمية؛ ووجوه مقطـّبة مفعـمة بالجدية؛ ولكن الوقائع قد تثبت عـكس ذلك.

حكى لي صديق كان قد تقدّم باقتراح لمشروع راديكالي للإدارة العليا، ولكن كما هو حال الكثير من الشركات الكبيرة التي تعـاني أمراض الحروب الداخلية للمصالح الشخصية (وتقديمها على المصلحة العامة)، لم ير هذا المقترح النور، وفي كل مرة يطرح الموضوع في مجلس الإدارة يواجه بالمعارضة والدخول في متاهات ونقاشات سفسطائية بلا طائل، فقد صاحبنا الأمل إلى أن نائب المدير رمى له طوق النجاة عـندما اقترح عليه اصطحابه في العـطلة الأسبوعـية ليلعبا التنس بمعية المدير العـام، خلال اللعب والاستراحات والمشي تمت مناقشة فكرة المشروع حيث طرحت أسئلة وملاحظات والكثير من النقد وهو يرد على كل منها بحماس ومنطق، كل هذا خلال التريض؛ بعـد هنيهات التفت المدير العـام قائلاً: «أعتقد أنها فكرة رائعة وسأتبنى طرح المشروع بمجلس الإدارة المقبل».

في واقع الأمر، في الغـرب يطلقون على ما حصل اسم (القمة الخضراء) نسبة إلى ملاعب الغولف التي يكسوها العشب وتدور فيها النقاشات المهمة بين الإدارات العليا في الشركة وأحياناً بين المسؤولين في الشركات المختلفة خارج جدران المكاتب.

ليست الشركات وحدها، فالقمة الخضراء كانت حاضرة على مستوى المفاوضات بين الدول، حيث يروي رئيس سنغافورة الأسبق قصته مع الرئيس الأميركي الأسبق بل كلينتون، حيث شهدت مفاوضات اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين معـضلات هائلة، ولم يتمكن الفريق التفاوضي من إقناع الطرف الأميركي بالتوقيع على الاتفاقية، وسط هذه الظروف عرف كبير المفاوضين من خلال تقرير سفارته في واشنطن أن كلينتون يسهر ولا ينام إلا بعد منتصف الليل وأنه عاشق للعب الغولف، وفي مؤتمر بينهما بفانكوفر عام 1997 حرص الرئيس السنغافوري أن يلعب الغولف مع نظيره الأميركي ما وثق العلاقة الشخصية بينهما، وبعد عدة أشهر أقيمت قمة أخرى في دولة مجاورة، وفي مأدبة العشاء سأل كلينتون نظيره السنغافوري: «ما خطتك بعد العشاء؟»، فأجابه ومن دون تردد: «لا شيء سوى أنني أرغب في تحديك في الغولف!». وطبعاً سعد الرئيس كلينتون بالدعوة، واستمتع الاثنان باللعـبة من الحادية عشرة ليلاً إلى الثانية صباحاً. وقتها التفت الرئيس السنغافوري إلى الرئيس كلينتون قائلاً: «هل يمكن أن نتحدث في موضوع جاد؟»، فأومأ الرئيس الأميركي بالإيجاب، فانطلق الرئيس السنغافوري بالحديث عن أهمية اتفاقية التجارة الحرة بالنسبة لأميركا، وكيف ستكون سنغافورة البوابة التجارية المستقبلية لآسيا، وبعد عشر دقائق فقط أجابه بيل كلينتون بما معناه في لهجتنا: «اعتبر الموضوع تم!». وفعلاً لم تمضِ أشهر بسيطة إلا والاتفاق قد حصل بين البلدين.

يمكن اعتبار القمة الخضراء أسلوباً ومنهجية قد تتغير مع الزمان والمكان والأشخاص؛ لتصبح فنجان قهوة أو وجبة غداء أو عشاء أو أي نشاط رياضي أو اجتماعي أو ثقافي مقبول يتيح فرصة للخروج من أجواء العمل المشحونة والتفكير والنقاش في جو هادىء أكثر أريحية.

ومع ذلك فيجب التنبيه إلى أن مقرات العمل يجب أن تظل المكان الذي تتم فيه النقاشات واتخاذ القرارات على أن يستخدم أسلوب القمم الخضراء في حالات استثنائية تتطلب ذلك.

وبالختام، لا ننسى أن الأميركان حلوا أزمتهم طويلة الأمد مع الصين بواسطة فريق (بينج-بونج)…!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن