قضايا وآراء

هل ينزل أردوغان من أعلى الشجرة؟

| محمد نادر العمري

تصاعدت في الآونة الأخيرة وتيرة التصريحات الإيجابية من قبل النظام التركي تجاه سورية، ولاسيما في مواضيع تتعلق بتسريع ودعم الحل السياسي ومحاربة الإرهاب وغيرها من التصريحات التي تناوب مسؤولي هذا النظام على إطلاقها حتى بلغت ذروتها بتصريح رئيس هذا النظام رجب أردوغان، بقوله: إن بلاده ليست لها أطماع في سورية، وعدم استبعاده للحوار مع دمشق، في رسالة واضحة أراد أردوغان إعلانها بهذا التوقيت السياسي.

إن هذه الأجواء المتمثلة في اتساع فضاء التصريحات الإيجابية المتنامية وانشغال وسائل الإعلام التركية بتداول الملف السوري بشكل غير اعتيادي عما كان عليه في السابق، جاءت بعد تهديدات أطلقها هذا النظام على مدى ما يزيد على أربعة أشهر لشن عدوان جديد على شمال الجغرافية السورية بذريعة محاربة إرهاب «حزب العمال الكردستاني»، واصطدامه برفض إقليمي ودولي سبقه حزم سوري بالرد على أي عدوان. إلا أنه منذ إطلاق الجمهورية الإسلامية الإيرانية لمبادرة الوساطة بين سورية وتركيا، ومن ثم اجتماع زعماء ترويكا الأستانا في طهران الشهر المنصرم، لوحظ نزول هذا النظام من أعلى الشجرة، وتبدلت تصريحاته العدائية لنبرة غزل ودية، إن صح التوصيف، وهو ما يدفعنا لوضع تصورات عن دوافع هذا التغيير والأسباب المؤدية لذلك:

أولاً: على المستوى الإستراتيجي فإن رئيس النظام التركي يسعى ليكون الرابح الأكبر في استغلاله لتوسع دائرة الصراع الروسي الغربي على المستويات كافة، وبصورة خاصة أن هذه الفرصة تعتبر نادرة بعد إغلاق أبواب الاتحاد الأوروبي أمامه، الأمر الذي جعله يفكر ملياً بأن يكون لاعباً مهماً في الشراكة الأوراسية التي طرحتها روسيا، لتحسين الواقع الاقتصادي التركي الذي عانى اضطرابات مادية ونقدية حادة منذ ما يقارب العامين، وأدت لتراجع قيمة عملته المحلية بنسبة 67 بالمئة، وارتفع التضخم بنسبة 63.5 بالمئة، وفي هذا الإطار يطمح أردوغان لتحسين واقع تركيا من خلال:

– حصوله على امتيازات روسية تجعله واجهة لتصدير منتجاتها المختلفة بما في ذلك مصادر الطاقة لأوروبا بعد فرض العقوبات الغربية على روسيا إثر العمليات العسكرية في أوكرانيا.

– الرغبة في لعب دور الوساطة لحل النزاعات والصراعات القائمة في العديد من الأزمات.

هذان الهدفان لا يمكن أن يتحققا في ظل استمرار تركيا بخصومة روسيا في سورية، كما أن هذين الهدفين في حال حصولهما ستحظى تركيا بمكانة وتأثير لا يقتصران على النطاق الإقليمي فحسب.

ثانياً: على المستوى الداخلي أو التكتيكي فإن أردوغان يريد سحب البساط من تحت المعارضة عبر إستراتيجية الصدمة أو الاستباق بخطوة، وخاصة أن هذه المعارضة رفعت من شعبيتها خلال المرحلة السابقة بتوجيه أصابع الاتهام وتحميل مسؤولية ما آلت إليه الأوضاع الاقتصادية المتدهورة والاجتماعية المنقسمة في تركيا لسلوك وسياسات أردوغان الذي سعى لتأزيم الأوضاع في سورية عبر الاستثمار بالإرهاب، وهو ما أدى لازدياد أعداد اللاجئين في تركيا، ورفع منسوب تعرض أمنها القومي للخطر، نتيجة تعاونه مع فصائل مسلحة، فضلاً عن وجود فئة ليست بقليلة من الشعب التركي تعلن رفضها للسياسات التركية تجاه سورية وتطالب بدور إيجابي لحل الأزمة السورية نتيجة اعتبارات وروابط عديدة، ويريد أردوغان من خلال هذه الانعطافة ضمان أصوات هذه الفئة إلى جانب توجيه صفعة للمعارض، وضمن هذا الإطار يخشى النظام التركي من حصول انقلاب في مواقف المجموعات المسلحة التي رعاها، لذلك يريد التخلص من هذه المجموعات بتوافق مع روسيا وإيران وسورية من دون تعرضه لخسائر أو تهديدات هو بغنى عنها.

ثالثاً: تركيز أردوغان في المرحلة القادمة على قبول عضويته في منظمة «شنغهاي» وهذا لا يمكن أن يحصل في ظل تعارض الموقف التركي مع مواقف كل من إيران وروسيا والصين.

رابعاً: رغبة أردوغان بالعودة لنهج «صفر مشاكل» مع دول الجوار بعد المصالحة مع الإمارات والسعودية واقترابها مع مصر وحاجته لسورية، وذلك للتصدي للمشروع الأميركي الذي سرب له تفاصيله في اجتماع أستانا، وفق بعض المعلومات الصحفية، والمتضمنة توجه أميركا لإنشاء دول كردية في الشمال السوري وربطها بالشمال العراقي، وهو ما يجعل جنوب الجغرافية التركي بين قوسي الانضمام لهذا المشروع.

صحيح أن النظام التركي يركب اليوم الموجة التصالحية تجاه سورية، واتخذ بعض الخطوات العسكرية بعد بيان الجيش السوري «بالرد على أي عدوان»، وذلك من خلال اجتماع بعض قادته العسكريين مع قادة الفصائل المسلحة في الشمال بمدينة غازي عنتاب نهاية الأسبوع الماضي وتحذيرهم من أي مغامرة ضد الجيش السوري، بالتوازي مع إجراء سياسي تمثل بالسماح لرئيس حزب الوطن التركي بزيارة سورية خلال الفترة القادمة بطائرة مباشرة من أنقرة لدمشق، إلا أن هناك العديد من التحديات التي مازالت تشكل حقل ألغام في مسار عودة العلاقات بين الجانبين، أهمها:

1. مدى جدية أردوغان في التصالح مع سورية التي مازالت دبلوماسيتها تترقب بحذر هذه الانعطافة التركية، وذلك نابع إما من عدم ثقتها بهذا النظام وخشيتها أن يكون ذلك مجرد تكتيك لتحقيق مصالح داخلية وخارجية لأردوغان، وإما لفسحها المجال أمام المساعي الروسية الإيرانية بهذا الإطار، ولاسيما أن دمشق أعلنت في السابق وعلى مدى سنوات أنها ترحب بأي عودة للعلاقات بشرط احترام السيادة وعدم التدخل في الشأن الداخلي ودعم الإرهاب، وهو ما ركز عليه وزير الخارجية والمغتربين في مؤتمره الصحفي مع نظيره الروسي قبل يومين.

2. كيفية حل الملفات الخلافية الحادة والمتناقضة في مواقف ورؤى الطرفين، مثل ملف اللاجئين والمسألة الكردية والوجود غير الشرعي للقوات التركية وقضية المسلحين والمعارضة وغيرها من ملفات، سعت تركيا خلال السنوات الماضية لفرضها كأمر واقع واستثمارها لتحقيق مكاسب لها في سورية، وهو ماقد يتطلب وقتاً ليس بقصير في حال افتراضنا نية تركيا الحسنة.

3. رد الفعل الأميركي من حصول مصالحة تركية سورية تدعم موقف كل من إيران وروسيا في المنطقة، الأمر الذي يجعلها بين فكي كماشة، إما انسحاب اضطراري من سورية أو تعرض قواتها وقوات قسد التي تشهد انقساماً، للخطر.

بناء على ما سبق سنكون أمام ثلاثة سيناريوهات: السيناريو الأول نفترض به حسن النيات والمتمثل في عودة العلاقات بناء على توافقات لحل الملفات الخلافية تدريجياً بضمانة الجانب الروسي وربما الإيراني يسرع من وتيرة الحل السياسي في سورية، أما السيناريو الثاني فإنه يتجلى في محاولة أردوغان قطع نصف الطريق بهذه المصالحة على غرار مصالحته مع مصر وذلك لكسب الروسي وعدم معاداة الأميركي، أما السيناريو الثالث فيكمن في انتهاج أردوغان هذا السلوك التصالحي كتكتيك مؤقت لتحقيق مصالح انتخابية وخارجية اقتصادية.

وعلى افتراض حصول السيناريو الأول، فإن ذلك يعني حصول مجموعة من الخطوات المتلاحقة كالتالي:

– تواتر حصول الاجتماعات الأمنية بين الطرفين خلال الأيام والأسابيع القادمة، لبحث تعديل اتفاق أضنة لعام 1998، بما يلغي المزاعم التركية من تعرض أمنها للخطر ويضمن انسحاب قواتها من الأراضي السورية ويحقق المطالب السورية.

– إعادة هيكلة المعارضة وتحقيق خطوات في مسار لجنة مناقشة الدستور، واجتماعها في عاصمة غير جنيف يتفق عليها بين الترويكا الضامن.

– حصول اجتماع على مستوى وزاري وليس رئاسياً بين الجانبين، قد يمهد له في أثناء اجتماع منظمة شنغهاي في أيلول المقبل برعاية روسية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن