قضايا وآراء

لماذا يهاجم ترامب أكبر مؤسسة فدرالية محافظة؟

| دينا دخل الله

على الرغم من كل اللحظات الغريبة والمتناقضة والقصص التي رافقت الرئيس المثير للجدل دونالد ترامب خلال فترته الرئاسية، إلا أن مشاهدة الرئيس السابق ومناصريه يصفون مكتب التحقيقات الفيدرالي المعروف بـ«إف بي أي» بأنه أداة في يد الدولة العميقة التابعة للديمقراطيين، هو أمر يدعو للاستغراب، وقد وجه ترامب ومناصروه هذا الانتقاد لمكتب التحقيقات بعد أن فتش عملاء المكتب منزل ترامب في فلوريدا.

اتهم مناصرو ترامب مكتب التحقيقات بأنه يضطهد رئيسهم حتى إنهم أطلقوا دعوة تدعو إلى «وقف تمويل مكتب التحقيقات الفدرالي الفاسد».

تاريخياً يعتبر مكتب التحقيقات الفدرالي «إف بي أي» المؤسسة الأكثر تحفظاً ثقافياً وتقليدياً في الحكومة الأميركية، حتى إن رجال القانون الأميركيين يرون في هذا المكتب مؤسسة محافظة ثقافياً، بل إن جميع الرؤساء الديمقراطيين لا يشعرون بالراحة أبداً في التعامل مع الـ«إف بي أي»، فهم لم يجرؤوا حتى على ترشيح ديمقراطي ليكون رئيساً للمكتب، على اعتبار أنها مؤسسة تابعة للجمهوريين.

منذ نشأة المكتب كان رؤساؤه محسوبين على الجمهوريين، ما يؤكد أن المشكلة هنا تكمن في دونالد ترامب وليس في أي انحياز سياسي ضد هذا المكتب.

المدير الحالي كريستوفر راي الذي أشرف على العملاء الفدراليين الذين قاموا بتفتيش منزل ترامب، عُيّن من ترامب نفسه عندما كان رئيساً للولايات المتحدة، كما كان راي في وزارة العدل في عهد الجمهوري جورج بوش الابن، وقبله كان رئيس المكتب جايمس كورني الذي كان نائباً للمدعي العام في عهد بوش الابن، أما روبرت مولر فقد خدم في وزارة العدل في عهد بوش الأب والابن، وقبلهم كان لويس فري قاضياً في عهد بوش الابن وصولاً إلى مؤسس مكتب التحقيقات الفدرالي جاي ادغر هوفر، كما أن جميع رؤساء المكتب كانوا جمهوريين.

تعود هذه النزعة السياسية المحافظة في صفوف المكتب إلى الثقافة التي طورها هوفر على مدى نصف قرن، حيث اعتبر المكتب نفسه المسؤول عن حماية ومراقبة وجهة النظر المسيحية المحافظة الفريدة للولايات المتحدة.

يبدو أن المفارقة هنا تكمن في محاولة دونالد ترامب والجمهوريين شيطنة مكتب التحقيقات الفدرالي الذي كان منذ تأسيسه جداراً يحمي الثقافة الأميركية من الراديكاليين و«المخربين» الذين يؤمنون بالتنوع الثقافي والعرقي الأميركي بعيداً عن فكر الرجل الأبيض المسيحي المميز.

عمل جاي ادغر هوفر طوال حياته ليحافظ على التقاليد القديمة من خلال شعار «الأم والبيسبول وفطيرة التفاح»، بدأ هوفر في وزارة العدل مسؤولاً عن القسم الخاص في مكافحة الراديكالية عام ١٩١٩، وقد تعامل مع الكتاب والنشطاء الأفارقة على أنهم مخربون وهو وفريقه في الـ«إف بي أي» قاموا بمراقبة الكثير من قادة حركة الحقوق المدنية مثل القس مارتن لوثر كينغ.

في إطار هذا التاريخ المفعم بالعنصرية ليس مستغرباً أن يكون العدد الأكبر من موظفي المكتب رجالاً من العرق الأبيض.

بعد الاطلاع سريعاً على تاريخ مكتب التحقيقات الفدرالي يبدو أن مشكلة دونالد ترامب ليست مع ميول المكتب السياسية بل قد تكون هذه الادعاءات مجرد وسيلة لمحاولة العودة للحياة السياسية وكسب المزيد من المناصرين، وخاصة أن استطلاعاً للرأي أجرته صحيفة «واشنطن بوست» قبل أيام أكد أن دونالد ترامب يحظى بتأييد عدد كبير من الجمهوريين ليكون مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية القادمة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن