شؤون محلية

إغناء لا إلغاء

| ميشيل خياط

(شكلت المنحة المالية 100ألف ليرة سورية) الصادرة مؤخراً بالمرسوم التشريعي رقم 14 للعام 2022، خطوة إلى الأمام في التعامل مع الوضع المعيشي الصعب جداً لشريحة كبرى من العاملين بأجر والمتقاعدين وجرحى الحرب وأسر الشهداء.

قد جاءت وسط إلحاح على زيادة الرواتب والأجور، لعلها تقلص المسافة التي باتت شاسعة جداً مابين أجور تلك الشريحة وأسعار السلع وأجور الخدمات، العامة والخاصة (الفردية) لذوي المهن المختلفة.

وفي رأيي أن تلك المنحة إغناء لمسيرة رأب الصدع، وليست إلغاء لزيادة في الرواتب والأجور، يرى العديد من خبراء الاقتصاد الرصينين، أنها ضرورية كل عدة أشهر لتحقيق تلك الغاية المهمة جداً، في وقت فشلت فيه كل محاولات ضبط الأسعار، أو إقامة سوق موازية حقيقية (كبرى وملائمة)، تتبنى نهج، إلغاء الوسيط، ونقل البضائع من المنتج إلى المستهلك مباشرة ولاسيما الزراعية، واضطلاع الدولة عبر مؤسسة التجارة الخارجية باستيراد الكميات الكافية من السلع الأساسية، بفواتير واضحة وأسعار معلنة، بعيداً عن الاحتكار، ولاسيما أن مصدر القطع الأجنبي للاستيراد، هو البنك المركزي السوري…!! أو التوجه شرقاً، والتعامل الجدي الواسع تجاريا مع الحلفاء، في وقت بلغت فيه مستورداتنا خمسة مليارات يورو في العام الماضي، مقابل صادرات بمليار يورو.

ولعلنا نلاحظ أنه منذ تشرين الأول 2020، أي في أعقاب التضخم والركود الاقتصاديين الناجمين عن إغلاقات وباء كورونا، وعوامل جوهرية أخرى مثل فقدان التجار السوريين لأربعين مليار دولار في المصارف اللبنانية، وتشديد الحصار على سورية ولبنان، تم في سورية تقديم خمس منح وزيادة الرواتب مرتين، ( 10-7- 2021 و15-12-2021)، ما رفع الحد الأدنى للأجور إلى 93 ألف ليرة تقريباً. وتعادل آخر منحة في 22 الشهر الجاري، رفعاً للحد الأدنى للأجور إلى 150 ألف ليرة في الشهر، لمدة (شهرين)، وإذ استغرب قلةٌ الحديث عن حيثياتها، فإنني أقدّر أن تكاليفها على خزينة الدولة ليست أقل من 150 مليار ليرة سورية.

ولعل السير على هذا الطريق موجود، لكنه بطيء، وهو السير الحميد، إذ لابد منه للاستمرار، من دون النظر إلى دعاة، أنه يتسبب في التضخم لأنه لا يغطى بإنتاج يرتقي بالناتج المحلي الإجمالي، وهذا غير صحيح – نسبياً وبما يتلاءم مع الظروف السورية القاسية.

فمن ينظر إلى الواقع بعيون من يريد البقاء والاستمرار، يجد أن الصناعة السورية –الخاصة- تحقق تقدماً في ثلاث مدن صناعية كبرى هي عدرا وحسياء والشيخ نجار، وأن الزراعة السورية قد ربحت ما يقرب من 80 ألف هكتار من الأراضي المروية عبر إعادة تشغيل محطات ضخ حكومية في دير الزور والرقة وحلب، كان آخرها في نهاية العام الماضي، عندما اندفعت المياه إلى شلال حندرات في حلب لإرواء 8500 هكتار من سهول حلب الجنوبية عبر نهر قويق، وهي سهول ذات تربة حمراء خصبة جداً.

وما جرى تسوقه من القمح في العام الحالي (أكثر من 500 ألف طن حتى بداية آب الحالي) أفضل من أعوام الحرب السابقة بكثير، وننتظر موسم زيتون ممتازاً، إلى جانب ما ننعم به من وفرة في الحمضيات.

ولعل الأفق رحب جداً، لدأب ومثابرة وحماسة، على دروب توفير المزيد من الموارد، وهذا بحد ذاته يتطلب، السعي إلى رأب الصدع، والعمل تباعاً على زيادة الرواتب لتقليص الفجوة مابين الأجور والأسعار.

إن الأجور حياة. والإنتاج يحتاج إلى أحياء ينهضون به.

إن الاهتمام بالأجور الجيدة- نسبياً- هو اهتمام حكيم بالإنتاج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن