تحت عنوان «شيطان الانقسام الطائفي بين اليهود الغربيين والشرقيين»، تبين العالمة الاجتماعية في معهد «سابير» الإسرائيلي والمختصة بمواضيع الانقسامات والفوارق وعدم المساواة بين اليهود في إسرائيل سيغال ناغار – روم، في تحليل نشرته في صحيفة «يديعوت أحرونت» في 26 آب الجاري أن الكيان الإسرائيلي بدأ ينتقل من «إسرائيل الأولى» بعد عام 1948 إلى «إسرائيل الثانية» الممتدة حتى الآن، وأن «50 بالمئة من الموجودين في إسرائيل الآن هم من الجيل الثالث والرابع، وبرغم مرور أكثر من سبعين عاماً على «إسرائيل الأولى»، ما زال الشيطان الطائفي (أي الانقسام الطائفي والإتني بين اليهود من أصل شرقي واليهود الأشكناز من أصل غربي) يضرب بجذوره الجيل الثالث والرابع من دون أي تغيير، وهذا ما تؤكده نتائج دراسات المؤسسات المختصة الرسمية».
وتكشف ناغار – رون أن نسبة الخريجين من الجامعات بين الأشكناز هي 60 بالمئة وعند الشرقيين هي 27 بالمئة وأن 90 بالمئة ممن يدير الجامعات والمؤسسات الأكاديمية هم من الأشكناز، «وأن هذا الانقسام ما زال راسخاً، فطوال أكثر من سبعين عاما لم تتجاوز نسبة الزواج المختلط بين اليهود الشرقيين والغربيين سوى 11.5 بالمئة، وهذا يدل على التباعد الاجتماعي والإثني بين الفئتين ناهيك عن الانقسام الطائفي، فلكل طائفة حاخام أكبر، بينما يعد الحاخام الأكبر الرسمي الذي يمثل الدولة من الطائفة الأشكنازية.
ويعكس هذا الانقسام نفسه على مواضيع جوهرية وإستراتيجية عند هذا الجيل الثالث والرابع مثل موضوع الهجرة العكسية فنسبة الذين يغادرون الكيان الإسرائيلي إلى أوطانهم التي جيء بآبائهم أو أجدادهم منها تحتل أكبر الأرقام عند اليهود الأشكناز، لأن المبررات والدوافع التي فرضتها على جيل آبائهم الحركة الصهيونية وبريطانيا معاً بعد الحرب العالمية الأولى والثانية ودمار أوروبا التي انتقلوا منها إلى فلسطين، لم تعد موجودة عند هذا الجيل الثالث والرابع لأسباب عديدة أهمها:
1- انعدام الأمن الفردي والشامل في الكيان الإسرائيلي بعد كل أشكال الحروب والعدوان التي شنها جيش الاحتلال على الفلسطينيين والعرب منذ عام 1967 حتى الآن بسبب المقاومة وما فرضته من هزائم على جيش الاحتلال ومن أخطار ما زال يتعرض لها هذا الجيش والمستوطنون وعجزه عن التخلص منها طوال أربعين عاماً.
2- إعلان الاتحاد الأوروبي عن سن قانون دستوري يتيح لكل يهودي من أصل أوروبي استعادة مواطنيته في الدول الأوروبية وإعطائه كل حقوق المواطنين الاجتماعية والسياسية وفي الشغل والضمان الاجتماعي.
بهذه الطريقة بدأت بوابات دول الاتحاد الأوروبي تتحول إلى البديل الجاهز أمام المستوطنين الغربيين – الأشكناز الذين حافظوا على ثقافتهم ولغاتهم الأوروبية لكي يرحلوا ولم تتمكن الولايات المتحدة نفسها من منع هجرة عدد كبير من الإسرائيليين إليها بسبب فقدان الأمن في الكيان، فبلغ عدد هؤلاء أكثر من 800 ألف بموجب إحصاءات الكنيست، وتحولوا إلى مواطنين أميركيين، أما عدد من اتجه إلى أوروبا من اليهود الأشكناز فبلغ ما يقارب المليونين يقيمون بشكل دائم كمواطنين في الدول الأوروبية.
وهذا يثبت في الواقع أن المشروع الصهيوني الذي ابتكرته بريطانيا وجندت له اليهود باسم «أرض الميعاد» فقد جزءاً كبيراً من قدرته على إحضار المزيد من اليهود إلى فلسطين المحتلة التي لم تتوقف فيها الحرب والمقاومة ضد المستوطنين منذ أن نقلت بريطانيا آباءهم وأجدادهم خلال حربين عالميتين لحماية مصالحها الاستعمارية التي فشل جيش الاحتلال في حمايتها على يد الجيل الأول بعد هزيمة العدوان الثلاثي على مصر عام 1956 وعلى يد جيلين بعد عدوان حزيران عام 1967 بعد قيام الجيل الثاني والثالث من الفلسطينيين بمقاومة لم تتوقف حتى الآن، فعدد اليهود الإجمالي في الولايات المتحدة يزيد بمليون على عدد اليهود في الكيان وفقد الكيان قوة بشرية خلال العقود الثلاثة الماضية بما يزيد على مليونين ونصف المليون غادروا من دون عودة وأصبح اليهودي الذي يتمتع بالأمن هو الذي يعيش في وطنه الذي جيء به منه ولم يعد الكيان يقنع الكثيرين بالهجرة إليه بحجة أنه «المكان الوحيد الذي يحقق الأمن لليهودي».
لا شك أن رؤية المستوطنين لوجود سبعة ملايين فلسطيني من أصحاب الأرض المغتصبة من حولهم وبينهم في مدن مختلطة مثل عكا وحيفا واللد ويافا، قد نسف الفكرة البريطانية لتأسيس «وطن قومي» لليهود في وطن الفلسطينيين وها هو جيل الفلسطينيين الثالث والرابع ومن حوله سورية ومحور المقاومة كله، ينسف بمقاومته فكرة المشروع الصهيوني ومستقبل وجوده، ولذلك تحذر ناغار – رون من أن الانقسام بين اليهود الغربيين واليهود الشرقيين سيتفاقم ويعرض الجبهة الداخلية لأخطار سيستغلها الفلسطينيون الموجودون في قلب هذه الجبهة ومن حولها.