منذ سنوات طلبت مني إحدى (العرافات الموديرن) أن أكتب عنها في الصحيفة التي أعمل فيها كي تصبح مشهورة، فقلت لها: أنا لا أؤمن على الإطلاق بالمنجمين والمنجمات، وإذا كتبت عنك فسأكتب موضوعاً سلبياً، فأجابتني: لا مانع، في الحالتين سأحظى بالشهرة، وربما ستكون مذمتك لي أفضل من مديحك، فلم أكتب عنها سلباً ولا إيجاباً.
تذكرت هذه الحادثة بعد اللغط الذي أثارته تصريحات نقيب الفنانين محسن غازي حول منع حفلات مغنيتين من إقامة الحفلات في سورية، فقد كانت التصريحات ومنع حفل حلب ذات نتائج عكسية، إذ انتشرت أغاني ريم السواس وسارة زكريا بشكل هائل على مواقع التواصل الاجتماعي وخاصة الفيسبوك فصار يعرفهما من لم يسمع بهما من قبل، وأنا واحد منهم.
السبب في المنع أن المغنيتين تستخدمان الكلمات النابية في أغانيهما! فهل جميع كلمات الأغاني الشعبية مهذبة تلتزم بالأخلاق الحميدة الراقية؟
لا أريد انتقاد قرار المنع، وفي الوقت نفسه لن أدافع عن مستوى الأغاني «الهابطة» فهذا ليس من اهتماماتي، لكن علينا ألا نغفل حقيقة أن معظم أغانينا تحتوي على عبارات تحمل إيحاءات جنسية، والأكثر من ذلك أن تلك الأغاني تبث في الإذاعة والتلفزيون وبأصوات كبار المطربين والمطربات.
على سبيل المثال هناك أغان للفنان صباح فخري تحمل كلمات نابية منها(مديتا يدي عل صدر قالت أنا بنية) أو (شفتو مرة بدارو حل زرارو) أو عندما طلب قبلة من الحبيبة فرفضت لأننا في يوم الجمعة، وهناك من الأمثلة الكثير.
حتى كلمات أغاني فيروز فيها إيحاءات جنسية منها، وأكثرها وضوحاً: بليل وشتي إذ تقول الكلمات: عينيهُن ببعضُن إيديهُن بردانين
وشفافُن عشّاق مع بعضُن سهرانين
أو أغنية: لما عل باب منتودع وبيكون الضو بعده عم يطلع، أي إنه خرج من بيتها فجراً، فماذا كانا يفعلان طوال الليل؟
في عام 1926 ظهرت في مصر أغنية يقول مطلعها: الخلاعة والدلاعة مذهبي، وهي من كلمات الشاعر الغنائي يونس القاضي صاحب أغنية «زوروني كل سنة مرة» وتلحين أحمد صبري النجريدي، لكن.. هل تعرفون من الذي غنى هذه الأغنية؟. صدقوا أو لا تصدقوا.. هذه أغنية للسيدة أم كلثوم، نقطة أول السطر.
للناس فيما يعشقون مذاهب، فهناك من يهوى الموسيقا الكلاسيكية فيسمع موسيقا بتهوفن وباخ وتشايكوفسكي وكورساكوف وغيرهم، وهناك من يهوى الطرب القديم، أو كما يسمونه «الزمن الجميل» فيسمع عبد الوهاب وأم كلثوم وعبد الحليم وليلى مراد وكارم محمود، وغيرهم، وهناك أخيراً من يهوى الأغاني الحديثة ولو كانت لمغنيات تتغنى بألفاظ نابية خارجة عن الأخلاق المجتمعية، فهل بإمكاننا: بجرة قلم أن نغير الذوق العام؟ وأساساً، من أعطانا الحق في منع هذا أو ذاك أو سحب الجنسية من هذا المواطن أو ذاك وتوزيع شهادات الوطنية والخيانة؟
لكن الأمر الآخر في قضية منع حفلة بنت السواس في حلب أن سعر البطاقة وصلت إلى أكثر من مئتي ألف ليرة للشخص الواحد، وهو مبلغ يعادل ضعف راتب الموظف أو المتقاعد، أي إنك كي تستمتع بالكلمات الهابطة عليك دفع مبلغ يساعد أسرة على تدبير أمورها لمدة شهر كامل!.
فإذا كنتم تريدون مكافحة هذا النوع من الأغاني ما عليكم إلى أن تنتجوا فناً راقياً وأغنية ذات مستوى عالٍ،، فالمنع يزيد شهرة من حاولت أن تمنعه، فهذا أفضل أنواع الإعلانات!.