ثقافة وفن

«أنموذج جديد في نظرية عالم الحضارات وتاريخه ومستقبله»

| مايا سلامي

صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب وضمن المشروع الوطني للترجمة دراسة تأسيسية بعنوان «أنموذج جديد في نظرية عالم الحضارات وتاريخه ومستقبله»، تأليف ياكوفيتس يو. ف، ترجمة مالك صقور وشاهر أحمد نصر، تقع في 576 صفحة من القطع الكبير وتستعرض أسس النظرية التكاملية لأصل الحضارات وتطورها وتفاعلها ومستقبلها وطبيعة الديناميات الحضارية وآفاقها ومضمون الفرع الجديد في العلوم الاجتماعية، وتتطرق إلى العقل الاجتماعي كمصدر أساسي لمؤسسات الحضارة موضحةً دور الأسرة والاقتصاد والدولة كركائز من مرتكزات التطور الحضاري وتتحدث عن المراحل التاريخية الجديدة ومستقبل الحضارة الرأسمالية والاشتراكية، وتكشف عن قوانين انضغاط الزمن التاريخي الذي يعلل آفاق تأسيس عصر تاريخي جديد في القرن الحادي والعشرين. وتفتح آفاقاً مثلى للخروج من أزمة الحضارة في القرن الحادي والعشرين. وتقدم أخيراً تحليلاً لمضمون أزمة الحضارة العالمية في عام 2020 وبنيتها وتبعاتها والأساس الإستراتيجي للتخلص منها والانتقال إلى عصر تاريخي جديد.

أسس النظرية التكاملية

وفي البداية يتحدث الكاتب عن أسس النظرية التكاملية لأصل الحضارات وتطورها وتفاعلها ومستقبلها التي عرضت أول مرة في تقرير قُدم في الندوة الأربعين الموسعة ومتعددة الاختصاصات بعنوان «قيادة العلماء الروس لعملية صياغة ووضع الأنموذج المتكامل للعلوم الاجتماعية». ويقول: «يعد الدور الحاسم لنشاط دماغ الإنسان في نشأة الحضارة وكذلك نشاط الدماغ وتنوع وظائفه هو المصدر الأول لظهور ثلاث سمات متميزة للتشكيلة الاجتماعية- الثقافية التكاملية التي صاغها بيتيريم سوروكين (جمع وتوالف الحقيقة، الخير، والجمال)، ويتجلى هذا في المعرفة العلمية لقوانين تطور الطبيعة والمجتمع والإنسان واستخدام هذه القوانين في مصلحة الإنسان.

ويشير إلى أن المنجز الأكبر لتطور البشرية هو الانتقال إلى المرحلة الحضارية من التطور، وتحدد النظم الاجتماعية التي يعيش فيها الناس في عصر تاريخي محدد وفي بلد محدد بنوعي الإنتاج كليهما: درجة التطور من ناحية أي العمل- والأسرة من ناحية أخرى. فكلما كان العمل أقل تطوراً، كلما كانت كمية الإنتاج وبالتالي ثروة المجتمع محدودة كلما كانت النظم الاجتماعية تعتمد على الروابط القبلية وتتعلق بها.

دماغ الإنسان

ويذكر المؤلف أن دماغ الإنسان العاقل لا يبقى من غير تغيير فهو يتطور وفق الظروف المتغيرة لحياة الإنسان وتطور وظائفه أيضاً وفضلاً عن ذلك يلاحظ وجود قانون عام طبيعي لتوسيع وظائف الدماغ وتقوية المدارك العقلية الطبيعية وحصول تغيرات في البيئة والطبيعة وطرق الحياة البشرية ونشاطات الإنسان عموماً.

إن ديناميات وظائف دماغ الإنسان تمتلك طابعاً دورياً، بالترافق مع الدورات الحضارية والطبيعية طويلة المدى كما أنها تتنوع حسب اختلافات الظروف الطبيعية والمناخية. ومنذ نهاية القرن العشرين تظهر علامات تدل على اشتداد الأزمة في تجليات ومظاهر نشاط وظائف دماغ الإنسان، فمن ناحية يتزايد تغلغله في أسرار تطور الإنسان والمجتمع، ومن ناحية ثانية تتغير طريقة حياة الإنسان ذاتها وكذلك تتغير طرق نقل التراث الحضاري من جيل إلى جيل.

ويستعرض الكاتب في هذا الجانب ثماني وظائف للدماغ البشري كمصادر أولية لمؤسسات الحضارة وخصائصها، وهي: وظيفة الدماغ الاستكشافية، وظيفة الدماغ الجمالية، وظائف الدماغ المعيارية، وظيفة الحب ومؤسسة الأسرة، وظيفة الدماغ الافتراضية، وظيفة تحديد الهدف، وظيفة دماغ الإنسان النووسفيرية الوظائف التربوية، والتعليمية.

أصل الحروب

ويكشف المؤلف في معرض كتابه عن أصل الحروب بين الحضارات وتطورها، فيقول: «ظهرت الحروب كمؤسسة اجتماعية منذ نحو خمسة قرون بالتزامن مع قيام الدول والحضارات الإقليمية. لقد أدى الانتقال إلى مرحلة جديدة في تطوير التقسيم الاجتماعي للعمل إلى فرز مجموعات الأشخاص الذين يختصون مهنياً في المشاركة في النزاعات العسكرية، وفي الاقتصاد العسكري الذي يهدف إلى إنتاج الأسلحة وإمداد الجيش بوسائل النقل والطعام وما إلى ذلك، وأصبحت مؤسسة الحرب أحد مكونات النمط الجيني للحضارات».

ولما أصبح الشكل الرئيسي لصدام الحضارات والقوى باستخدام أحدث أنواع الأسلحة ميؤوساً منه نتيجة التدمير الذاتي الحتمي للمشاركين في الحرب فقد أخذ يظهر منذ بداية القرن الحادي والعشرين تحول في أشكال وأساليب الحضارات في خوض الحروب العالمية فتغيرت بنيتها.

ويتناول الكتاب أشكال الحروب العالمية في العصر الحديث، وهي: عودة سباق التسلح والإشعال الدوري للحروب الإقليمية بمشاركة القوى العظمى مباشرة أو بشكل غير مباشر إنما من دون استخدام أسلحة الدمار الشامل، اشتدت حدة الحروب التجارية والاقتصادية، تشن الحرب التكنولوجية بهدف احتكار استخدام نتائج الثورة التكنولوجية في القرن الحادي والعشرين، احتدام الصراع على الموارد الطبيعية ويتجلى ذلك بشكل خاص في سوق الوقود والطاقة، اكتسبت حرب المعلومات نطاقاً واسعاً بشكل غير عادي واتخذت طابع الحرب الإيديولوجية، يتم استخدام الأشكال الاجتماعية- السياسية لصراع الحضارات وإدارة الحروب الهجينة على نطاق واسع.

الاستنتاجات

وخلصت هذه الدراسة التأسيسية إلى ثلاثة استنتاجات رئيسة بناء على السمات المميزة لأنموذج العلوم الاجتماعي التكاملي، وهي: يتطلب الانتقال إلى عصر تاريخي جديد وتبدل الدورات الحضارية طويلة المدى ونشوب أزمة حضارية عميقة تطوير أنموذج العلوم الاجتماعية الجديد بشكل عاجل ومناسب لمواجهة تحديات العصر الجديد، يعد العلماء الروس والمدارس العلمية الحديثة الذين يعتمدون على إرث المفكرين السابقين الكبار هم قادة صياغة ووضع أنموذج العلوم الاجتماعية التكاملي الذي يلائم وقائع القرن الحادي والعشرين، تكمن المهمة الأهم الآن في تسليح قادة جيل 2020 بأنموذج علمي جديد وهؤلاء القادة سوف يعتمدون خلال ثلاثة عقود القرارات الإستراتيجية ويطبقونها على المستويين الوطني والعالمي.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن