في يوم الجمعة الماضي أعد داني كوشمارو في «القناة 12» العبرية برنامج مقابلات مثيراً، حيث أحضر إلى الاستوديو خمسة رؤساء أركان متقاعدين من جيش الاحتلال وهم إيهود باراك الذي أصبح رئيس وزراء عام 1999 وموشيه يعالون الذي خدم كرئيس أركان عام 2002 وغابي اشكنازي الذي استلم المنصب عام 2007 وغادي آيزنكوت استلم عام 2015 وبيني غانتس استلم المنصب عام 2011 وجميعهم تولوا القيادة العسكرية لجبهة الشمال بعد تحرير جنوب لبنان عام 2000 قبل أن يصبحوا رؤساء أركان وهم جميعاً تلقوا هزائم عسكرية في أثناء خدمتهم في جبهة الشمال عام 2006 أيضاً وفي كل حروبهم ضد قطاع غزة وفي حربهم الكونية الأخيرة على سورية وخاصة غادي آيزنكوت وبيني غانتس اللذين كانا في الخدمة عام 2011 و2019.
وكان الخمسة متفقون في أجوبتهم على أن الجبهة التي يواجه فيها الكيان الإسرائيلي خطراً وجوديا في هذه الظروف هي جبهة الداخل الإسرائيلية والاضطراب الحزبي والسياسي فيها منذ عام 2019 وأعرب الخمسة عن قلقهم من الضعف الذي تولده الانقسامات داخل الكيان على الجيش والقيادة
وهذا ما دفع الصحفي الإسرائيلي في مجلة (ماكور ريشون) شلومو بيوتركفسكي في 28 آب الجاري إلى السخرية من رؤساء الأركان الخمسة هؤلاء لأنهم كانوا في أثناء توليهم مناصبهم لا يعترفون إلا بالخطر الوجودي الذي يشكله الموضوع النووي الإيراني واستنتج أنهم جميعاً ركزوا في أثناء خدمتهم على هذا الخطر الخارجي لأنهم أرادوا جر واشنطن وجيشها الأميركي إلى حرب مباشرة على إيران للتخلص من القوة الإقليمية الإيرانية ودورها في دعم أطراف محور المقاومة في سورية ولبنان وفلسطين ثم حين لم تنجح هذه الخطة واقترب موعد عودة واشنطن قريباً بموجب آخر التقارير الغربية للاتفاق مع إيران اضطروا إلى تشخيص الخطر الوجودي بالوضع الداخلي الذي لم يستطع الكيان التغلب على تحدياته بعد ازدياد قدرة أطراف المقاومة في الداخل وعبر جبهة الشمال
ولا شك أن الهزيمة التي تكبدها هؤلاء الخمسة بالنقاط ومعهم رئيس الأركان الحالي أفيف كوخافي خلال العقدين الماضيين وما جرى فيهما من تطورات فرضت انسحاب جيش الاحتلال من جنوب لبنان عام 2000 ثم انسحاب جيش الاحتلال من قطاع غزة عام 2005 وما تلى ذلك من هزيمة جيش الاحتلال في حرب تموز 2006 يثبت على الأرض أن القوة العسكرية الإسرائيلية ومعها القوة الأميركية عجزت عن تغيير هذه النتائج التي حققتها قوى ودول أطراف المقاومة وأصبحت قادرة على تحقيق المزيد من نقاط الانتصار المقبلة على المستوى السياسي والعسكري الإقليمي وخاصة في ظل ظروف المواجهة التي تجري منذ شهر شباط الماضي على المستوى العالمي بين موسكو والصين الحليفين المركزيين لمحور المقاومة في المنطقة إلى حد جعل هذه المجابهة بين الدول الكبرى نوعا جديداً من الحرب العالمية الثالثة والجديد فيها أنها تجري بين فريق يمثله الغرب والولايات المتحدة بهدف المحافظة على قواعد النظام العالمي الذي فرضته القوى الاستعمارية التقليدية بعد حربين عالميتين وتقاسمت بموجبه العالم وبين فريق تمثله على المستوى العالمي كل من روسيا والصين الشعبية بهدف التخلص من نتائج ذلك النظام العالمي الذي استغله الاستعماريون في الغرب لمصالحهم على حساب مصالح الشعوب وقواها التحررية.
ولذلك ترتعد إسرائيل في هذه المواجهة المستمرة في القارتين الأوروبية والآسيوية خوفاً من هزيمة النظام العالمي الغربي الذي أنتج كيانها وفرضه بعد الحربين العالميتين على حساب الشعب الفلسطيني وبقية الشعوب العربية وتقسيمها والسيطرة على مقدراتها.
وهذا ما دفع واشنطن ومعها بعض الدول الأوروبية إلى الاستماتة في تقديم كل أشكال الدعم العسكري والسياسي والاقتصادي لأوكرانيا أمام روسيا وإلى تايوان أمام الصين.
ويرى عدد من المفكرين السياسيين في روسيا والصين أن ما يجري الآن من مواجهة بين قوى الغرب وروسيا والصين هو الحرب العالمية الثالثة التي تتطلع موسكو وبكين وحلفاؤهما إلى الانتصار فيها لكي تخلص العالم وخاصة الشعوب التي استعمرتها وقسمتها قوى الاستعمار من هيمنة الغرب والولايات المتحدة وإعادة بناء قواعد نظام عالمي جديد يلبي تطلعات كل شعوب العالم بالتحرر والاستقلال والسيادة واستعادة الحقوق التي ما زال يسلبها الغرب حتى الآن.