من دفتر الوطن

السياسة أيها الذكي!!

| عبد الفتاح العوض

العبارة المشهورة إنه الاقتصاد أيها الغبي أخذت اهتماماً خاصاً في الأوساط الاقتصادية لأنها تريد أن تكرس مفهوماً محدداً بأن الاقتصاد هو القائد.. وأن ما تبقى هم في خدمة الاقتصاد. فالمصالح الاقتصادية هي التي تحرك السياسيين وسياساتهم الاقتصادية هي التي تجعلهم يفوزون في الانتخابات ويصلون إلى مقاعد السلطة. والشيء المعروف أيضاً أن معظم الحروب إن لم نقل كل الحروب تقوم على فكرة واحدة هي حروب على المصالح الاقتصادية.

في فترة ما عندما كان الحديث عن معسكرين واحد اشتراكي وآخر رأسمالي كانت الدول تقدم المساعدات تحت يافطة «إيديولوجية» وتحت هذه اليافطة موجود بما لا يقبل الشك حديث عن مصالح البقاء في هذا المعسكر أو الذهاب إلى الفريق الآخر.

هذه المقدمة طويلة ومملة ولم تقدم جديداً لأي منكم.. لكنها ضرورية لأتحدث عن المصالح الاقتصادية السورية، وهل وكيف يمكن أن نجعل العلاقة بين السياسة والاقتصاد تكاملية بحيث ينعكس ذلك على تحسن الحالة الاقتصادية الوطنية.

إذا أردنا أن نستعين بالحاضر فإن دول أوروبا مجتمعة تضررت بشكل كبير من الحرب الأوكرانية وهي مقبلة أكثر على خسارات ليس على المستوى التجاري فقط بل سيكون انعكاساً على حياة الناس الذين اعتادوا على الرخاء التام منذ أكثر من 70 عاماً.

فلماذا هنا قادت السياسة الدول وجعلتها تخسر اقتصادياً وهل المسألة لها علاقة بحسابات خسارة الآن أفضل من خسارات أكبر في المستقبل. وفوق كل ذلك فإن الأوروبيين على رغم بدايات معاناتهم يقدمون مساعدات كبيرة تحت عنوان سياسي وليس اقتصادياً.

هل هذا يعني تغييراً في الشعار من أنه الاقتصاد أيها الغبي إلى شعار إنها السياسة أيها الذكي؟!

المسألة هنا أعقد من مجرد شعار فالقصة تتعلق بملامح بدايات لعودة عالم متعدد الأقطاب، وفي هذه الحال فإن الدافع السياسي يقدم خدمات اقتصادية لكن ذلك لا يمكن أن يخفي الحقيقة الساطعة أن وراء كل ذلك دوافع اقتصادية بحتة.. فالصراع في العالم ليس إيديولوجيا بالمطلق بل هو صراع فيه كثير من الاقتصاد.

لكننا في سورية لم يكن الاقتصاد وحده هو المحرك في القرارات الكبرى.

الموازنة ما بين المصالح والمبادئ ليست أمراً سهلاً بالنسبة للأشخاص. فمهما كانت خيارات البشر بأنهم يسيرون وفق مبادئهم إلا أن لحظات «خصام مع النفس» تترك آثارها، وكثير من الناس لم يستطيعوا الصمود أمام إغراء المصالح. وآخرون اختاروا المبادئ على المصالح ثم جاءت أيام سوداء طاف فيها الندم حولهم يؤنبهم بشدة.

لكن التوازن عند الدول ليس قصة خصام مع النفس وهي أيضاً ليست مشاعر ندم بل هي مصير شعوب ومستقبلها وحياتها وقبل وبعد كل ذلك كرامتها.

المقولة الأشهر في السياسة لا يوجد صداقات دائمة ولا عداوات دائمة إنما توجد مصالح دائمة هي مقولة تصبح صحيحة أيضاً لو أضيف ومبادئ راقية.

برأيي.. السياسي بل كثير من الناس لا يواجهون مأزقاً عندما تتعارض المصالح والمبادىء.. ببساطة يحولون مصالحهم إلى مبادئ وبراحة ضمير.

السياسة تبقى فن الممكن.. الحياة كلها فن الممكن وحلم المستحيل.

أقوال:

– من الخطير أن تكون على حق عندما تكون الحكومة على خطأ.

– آلة السياسة سعة الصدر.

– إن الأخلاق النفعية ليست أخلاقاً حقيقة وأنها تنتمي إلى السياسة أكثر من انتمائها لعلم الأخلاق.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن