قبل عام تقريباً نشر موقع أبحاث «معهد الشرق الأوسط – ميديل إيست إينستيتيوت» تحليلاً استشرافياً يتوقع فيه ثلاثة من رجال الأبحاث الإسرائيلية الذين يعملون في مختلف مراكز الأبحاث الإسرائيلية وخاصة في « معهد أبحاث الأمن القومي -آي أن إس إس» وأبرزهم يوئيل غوجانسكي، ما يحتمل أن يحدث في العالم والشرق الأوسط حتى عام 2030 من وجهة النظر والرؤية الإسرائيلية.
يعرض هؤلاء الثلاثة في بحثهم أربعة سيناريوهات رئيسة يتوقعون أن يشهدها العالم والشرق الأوسط خلال السنوات الثماني المقبلة 2021 حتى 2030 وأولها أن العالم سيدخل مرحلة انتقالية من وضع القطبية الواحدة الأميركية إلى وضع متعدد الأقطاب «أميركا- الصين» – «أميركا – روسيا الصين» وفي هذه المرحلة ستزداد التحديات ضد النظام الأميركي – الغربي وستزداد حدة التنافس على الشرق الأوسط وستتعدد فيه المحاور الإقليمية المتنازعة انعكاساً للنزاع العالمي.
2- احتدام النزاعات في الشرق الأوسط على خلفيات مذهبية وإيديولوجية.
3- انتشار التكنولوجيات الخطرة من المسيرات والأسلحة الذكية واستخداماتها المختلفة، في الشرق الأوسط.
4- زيادة حدة الضغوط الديموغرافية لأن النسبة المتوقعة لزيادة عدد السكان في الشرق الأوسط ستبلغ 20 بالمئة، فيبلغ عدد السكان في المنطقة 581 مليوناً.
ويتوقع البحث أن يزداد نفوذ روسيا والصين في المنطقة ويتسع تحركهما فيها، وقد تصلح توقعات هذا السيناريو لمرحلة ما قبل وما بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا والحرب التي تشنها منذ شباط 2022 الولايات المتحدة والدول الغربية على روسيا في أوروبا والبحر الأسود وعلى الصين بعد زيارة رئيسة مجلس النواب الأميركي نانسي بيلوسي في آب الماضي لجزيرة تايوان الصينية واستفزاز الصين التي أعلنت عن تأهب الجيش الصيني لفرض سيادة الصين على الجزيرة ولو باستخدام القوة المسلحة، ويبدو أن تطورات موضوع أوكرانيا وتايوان عجلت من تسارع المرحلة نحو النتائج التي ستفرضها.
بعد هذه التطورات الكبيرة واحتدام الصراع على الساحة العالمية بدأ الوضع العالمي يدخل من البوابة العلنية والعريضة لمرحلة ما بعد أوكرانيا وتايوان وما يجري الآن في هذه المرحلة لا يحتاج كثيراً من الصعوبة لاستنتاج الاحتمالات بعد أن شهد العالم في الأشهر الماضية حملات استقطاب وفرز على مستوى القارات الأربع وخاصة في قارتي أوروبا وآسيا، والجميع يرى علناً استعراض كل القدرات العسكرية لكل طرف في هذا الصراع تمهيداً لاستخدامها ضد الطرف الآخر وأصبحت عبارات التحذير من حرب نووية يجري تداولها حتى على لسان مسؤولين من أصحاب القرار عند جميع الأطراف.
حذر مستشار الأمن القومي التاريخي للإدارات الأميركية وسياساتها العدوانية هنري كيسينجر، في أكثر من مناسبة، إدارة الرئيس الحالي جو بايدين من أي مواجهة مع روسيا أو الصين، ودعا هذه الإدارة إلى البحث عن حل سياسي مع روسيا والصين بدلاً من حشد القدرات العسكرية والدول الحليفة ضدهما.
وأصبح الاعتقاد الأكثر تداولاً بين مختلف المحللين السياسيين في الغرب والشرق في هذه الأوقات هو أن هذه الحرب التي بدأت تحمل اسم الحرب العالمية الثالثة، لا يمكن أن تنتهي على غرار النهاية التي شهدها العالم في الحرب العالمية الثانية عام 1945، بانتصار حاسم على ألمانيا واليابان، بل باتفاق على إيقافها واللجوء إلى مفاوضات قد تطول بين القوى الكبرى وبعض القوى الإقليمية ذات الصلة، تؤدي إلى فرض نظام عالمي متعدد الأقطاب لن تكون فيه واشنطن والغرب إلا طرفاً مشاركاً في هذا النظام إلى جانب روسيا والصين، وليس طرفاً يتحكم كالسابق في قواعد نظامه، وسيكون الجديد التاريخي في هذه النتيجة هو تآكل وانهيار قوة الولايات المتحدة والغرب لأول مرة أمام تعاظم قوة روسيا والصين ودورهما في إعادة التوازن للنظام العالمي الجديد ولمؤسسات الأمم المتحدة والمنظمات الإقليمية في كل القارات، وهذا ما لم يحدث في كل النتائج التي فرضتها الحروب في منتصف القرن التاسع عشر أو الحرب العالمية الأولى عام 1918 والثانية عام 1945، وإضافة إلى ذلك يعتقد معظم المفكرين السياسيين والمسؤولين سابقاً في الغرب والولايات المتحدة أن البديل عن هذه النتيجة سيحمل دماراً شاملاً تخسر فيه كل البشرية. وهذا ما حذر منه كيسينجر في أكثر من مناسبة، وحث بواسطته إدارة بايدين على اللجوء إلى المفاوضات مهما كان ذلك صعباً لأن قوة روسيا والصين معاً لا يمكن صدهما بسهولة وسيتطلب ذلك ثمناً تدفعه أميركا وأوروبا مع بقية البشرية.