محاولة إضافية لتوثيق الذاكرة التشكيلية … بين الاتجاهات والأجيال بدأ التوثيق للفن التشكيلي … نشرة التشكيلي السوري أسهمت في التوثيق بشكل مباشر
| سعد القاسم
عرض الدكتور عفيف البهنسي المشهد التشكيلي السوري من خلال اتجاهات فنانيه، فيما قام الناقد طارق الشريف بتوثيقه من خلال تقسيمه إلى أجيال، أما الفنان ممدوح قشلان (الذي غادرنا يوم الإثنين الماضي) فقد قام باستعراض تجارب مختارة في كتابه (نصف قرن من الإبداع التشكيلي) الصادر عام 2006، كما قام بعض النقاد الذين أتوا بعد طارق الشريف باستعراض هذا المشهد من خلال قراءات متفرقة لتجارب الفنانين، كما في كتاب عبد اللـه أبو راشد (التشكيل السوري المعاصر – علامات مميزة) الصادر عام 1997 متضمناً مقالات عن خمسة عشر فناناً، مستوحياً كتاب (عشرون فناناً من سورية) الذي أنجزه طارق الشريف عام 1969 وصدر عن وزارة الثقافة عام 1972 متضمناً مقالات عن عشرين فناناً كتبها بين عامي 1967 و1968 في الوقت الذي كان يتابع فيه بحثه حول بدايات الفن التشكيلي السوري، هذا البحث الذي أسس لمحاولته الرائدة لتأريخ هذا الفن، وكتاب الدكتور غازي الخالدي (فنانون تشكيليون سوريون) الصادر عن مركز المعلومات القومي عام 2001 ويضم مقالات عن تسعة وخمسين فناناً، وكتاب أديب مخزوم (تيارات المعاصرة في التشكيل السوري) الذي نشره المهندس باسم حلواني عام 2010 في خمسمئة وأربع صفحات من القطع الكبير وفيه كتابات للمؤلف عن القسم الأعظم من الفنانين التشكيليين السوريين قدمها كـ(مراجعة نقدية وخطوة توثيقية) وفق تعبيره، وكتاب علي الراعي (دروب في المشهد التشكيلي – ملامح من بحث عن هوية) الصادر عن الهيئة العامة السورية للكتاب عام 2015 متضمناً كتاباته عن ثمانية وعشرين فناناً.
كتب وألبومات
إلى جانب ما سبق هناك عدد كبير من الكتب والألبومات التي تتحدث عن فنان واحد، أو عن تجربة فنية بذاتها، وهي بمجملها تشكل إضافة مهمة لتوثيق الفن التشكيلي السوري. إلا أنه لا يمكن الحديث عن مبادرات توثيق الفن التشكيلي السوري المعاصر من دون التوقف عند تجربة رائدة وطموحة ومهمة، وإن لم تتوفر لها فرصة الاستمرار، وأعني المشروع الذي أطلقه الفنانان محمد حسام الدين وحسان أبو عياش صيف عام1988 تحت عنوان (فنانون تشكيليون سوريون)، وقد قام هذا المشروع على إصدار كتيبات صغيرة وملونة وذات طباعة ومظهر أنيقين يتناول كل منها بعض الفنانين التشكيليين السوريين الرواد.
أهمية هذا المشروع جاءت من اعتماده على نقّاد وباحثين وفنانين مرموقين في إعداد نصوصه، ففي الكتيب الأول كتب الناقد طارق الشريف عن رائد الفن التشكيلي السوري المعاصر توفيق طارق وعن رائد الاتجاه الانطباعي فيه ميشيل كرشة. وفي الكتيب الثاني كتب عن سعيد تحسين فيما كتب الفنان عبد المنان شما عن صبحي شعيب، وفي الكتيب الثالث كتب النحات عبد اللـه السيد عن محمود جلال، وكتب الفنان غازي الخالدي عن عبد الوهاب أبو السعود، وكتب الناقد طارق الشريف عن خالد معاذ، وكتب الفنان عبد القادر أرناؤوط عن أنور علي أرناؤوط. وفي الكتيب الرابع كتب الفنان ممدوح قشلان عن رشاد قصيباتي، وكتب الناقد طارق الشريف عن رشاد مصطفى، وكتب الأستاذ حسن كمال عن عبد العزيز نشواتي، وكتب الأستاذ بشير زهدي عن زهير الصبان.
أرشيف المتحف الوطني
اعتمد المعدّان محمد حسام الدين وحسان أبو عياش على أرشيف المتحف الوطني في دمشق، وعلى مقتنيات مجمع اللغة العربية، والمجموعات الخاصة للفنانين الذين تم تناول تجاربهم، وقام وشارك في تصوير اللوحات الفنانان الضوئيان طاهر الجميعي، ومروان مسلماني، وبلغت الأهمية التوثيقية لهذا المشروع أن خطأ مطبعياً في الكتيب الأول منه (ضم صورة لوحة لميشيل كرشة إلى مجموعة صور لوحات توفيق طارق)، قد بنيت عليه كتابات نقدية عن التحول في أسلوب توفيق طارق، وهو خطأ شاع طويلاً قبل أن يتم تصويبه على صفحة (تكون الفن التشكيلي الحديث في سورية) الإلكترونية التي سنعود إليها بعد قليل. وقد توقف مشروع حسام الدين وأبو عياش مع إصدار الكتيب الرابع منه عام في صيف عام1998 أي بعد عشر سنوات على بدايته، وفي حين أن الكتيب الثاني صدر بعد عام من الكتيب الأول والكتيب الثالث صدر بعد عامين من الثاني، فقد احتاج الكتيب الرابع إلى سبع سنوات من الانتظار، كما أشار المعدّان في تقديمه، حيث كان واضحاً، من التقديم ذاته، أن مشكلة التمويل قد لعبت الدور الأساس في عدم استمرار المشروع.
أدت الصحافة الدورية دوراً مهماً في توثيق الفن التشكيلي السوري، وخاصة في المرحلة التي سبقت صدور المجلات التشكيلية المختصة وفي مقدمها مجلة (الحياة التشكيلية) التي صدرت عام 1980 ضمن مشروع ثقافي واسع رعته وأشرفت عليه الدكتورة نجاح العطار (وزيرة الثقافة آنذاك) وعرف بين المهتمين بالثقافة باسم (الحيوات) كجمع لكلمة الحياة، فقد تضمن في الفترة ذاتها إصدار (الحياة المسرحية) و(الحياة السينمائية) و(الحياة الموسيقية) وكانت جميعها مجلات فصلية تعنى أساساً بنشر الدراسات والأبحاث والمقالات المؤلفة والمترجمة في المواضيع التي تختص بكل منها. وقد لقيت المجلة منذ عددها الأول تقديراً واسعاً محلياً وعربياً، وسدت نقصاً تعاني منه المكتبة التشكيلية العربية، وتقتضي الأمانة الإشادة بالدور الأساسي الذي لعبه رئيس تحريرها المؤسس الناقد طارق الشريف، والجهد غير العادي الذي بذله لإنجاحها. وفي عام 1992 أصدرت نقابة الفنون الجميلة نشرة شهرية باسم (التشكيلي السوري) مثلت مفهوماً جديداً في فن العمل الصحفي سواء بحجمها الأقرب إلى حجم صحيفة، أم في شكل إخراجها المتطور الذي لم يستوعبه حتى بعض الفنانين التشكيليين، وقد بقيت تلك التجربة علامة فارقة في الصحافة التشكيلية رغم أنه لم يصدر منها سوى عددين. وقد تلت هذه التجربة مجلة (الفنون الجميلة) عام 2003 التي ترأس تحريرها النحات والناقد التشكيلي غازي عانا، والذي كان مشرفاً فنياً على سابقتها فوضع خبرته الكبيرة في مجلة كانت أهميتها أكبر من شهرتها.
التوثيق الإلكتروني
ونصل أخيراً إلى العالم الالكتروني الذي يقدم مساهمة بالغة الأهمية في توثيق الفن التشكيلي السوري، بحكم ما يتمتع به من مرونة واسعة ومشاركة وانتشار تتيح استكمال المعلومة، وتصويبها، وأحد أهم تلك المواقع (اكتشف سورية) الذي ضم أكمل أرشيف للفنانين التشكيليين السوريين، وتوقف قبل وقت قصير للأسف. وموقع مديرية الفنون الجميلة، وصفحة (تكون الفن التشكيلي الحديث في سورية) The Formation of Modern Art in Syria على الفيسبوك، والتي يديرها الدكتور عبد الرزاق معاذ، والتي تمتلك انتشاراً واسعاً وتقديراً كبيراً من المهتمين بالفن التشكيلي السوري. وصفحة بدايات الفن التشكيلي السوري التي يديرها الفنان بطرس المعري.
إن هذه المبادرات السابقة، مع أهميتها التي لا يمكن التقليل منها، ليست كافية مجتمعة لاستكمال قاعدة المعلومات حول الفن التشكيلي السوري المعاصر، وخاصة أن قسماً كبيراً للغاية من أعمال الفنانين السوريين لم يتم توثيقه، مع نمو حركة الاقتناء على حساب تراجع الاهتمام بالعرض. وهي مسؤولية الجميع، وفي مقدمهم الفنانون أنفسهم. (يتبع).