ثقافة وفن

«نحو بناء الذات وتطويرها»… دراسة تبحث في رحلة الحياة الغنية والخصبة

| مايا سلامي

صدرت عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان: «نحو بناء الذات وتطويرها»، تأليف دكتور محمد نظام، تقع في 231 صفحة من القطع الكبير وتبحث الدراسة في رحلة الحياة الغنية والخصبة التي تبدأ من مرحلة معرفة الذات لتصل إلى مرحلة شباب الشيخوخة، مروراً بمحطات حياتية عديدة أبرزها: المطالعة وتحصيل العلم، واستثمار الوقت، تعلم فن الحوار والتواصل مع الآخر، ممارسة الانفتاح، السير في طريق التميز والنجاح، اكتساب مهارة الإدارة والقيادة، سلوك درب العطاء وخدمة الإنسان والمجتمع. فصناعة الإنسان المتمثلة ببناء الذات وتطويرها الدائم لهي المهمة الأولى والأقدس في رحلة الحياة الطويلة والشاقة وهذا ما يستدعي منا الكثير من الاهتمام والالتفات فكما أن خوض معركة الحياة يستلزم التطلع الدائم إلى الأمام فهو فيآن معاً يتطلب الارتقاء في مدارج السمو والكمال.

التعرف على النفس

وفي البداية يتحدث الكاتب عن أهم وأولى الخطوات للارتقاء بإنسانية الإنسان والتي تتمثل في التعرف على النفس ومكنوناتها، فيقول: «إن المقصود بالتعرف على النفس معرفة هويتها الإنسانية بمعنى أن يعرف الإنسان مقامه الواقعي في عالم الخلقة، فيعلم أنه ليس حيواناً مملوكاً لغريزته ولم يخلق لأجل أن يعيش حياة حيوانية بل هو موجود ملكوتي خلق عاقلاً مختاراً، حراً، وعليه أن ينمي بعده الإنساني متجاوزاً به دركه الحيواني وعليه أن يتعهد شمائله الإنسانية بالتزكية ويربي القيم والفضائل الأخلاقية حتى يصل إلى الكمال المنشود».

ويشير إلى أن الإنسان يتكون من أربعة أبعاد حياتية تتلاقى مع الحاجات الأساسية الأربع المولودة مع كل إنسان، وهي: الجسد، العقل، القلب، الروح. وإن الحل الأساس للمشكلات التي تعترض حياتنا سواء منها الأسرية أم الاجتماعية عموماً يكمن في منظورنا لطبيعة الإنسان فعندما يتعرف الإنسان على طبيعته الحقيقية ومواهبه ويستخدمها لتطوير رؤيته عن الأشياء العظيمة التي يريد تحقيقها، وحينما يبادر بحكمة ووعي وتفهم عميق للحاجات والفرص المحيطة به، ويلبيها بما يتناسب مع مواهبه الفريدة يكون قد أطلق في ذاته أقوى الحوافز ودفعها إلى صنع عالم مختلف.

التميز والنجاح

ويستعرض د. نظام في دراسته أسرار التميز والنجاح، إذ يشترك أغلب أفراد المجتمع والناس عموماً في رغبتهم بالتميز وفي طموحهم للتفوق والنجاح في حياتهم، إلا أنهم قد يختلفون في حقيقة التميز الذي يرغبون فيه ويتباينون في جوهر التفوق والنجاح الذي يطمحون إليه، إلا أن التميز الحقيقي والتفوق الفعلي يكمن في مدى استثمارك وتسخيرك قدراتك الشخصية لتحقيق ما ترجو من طموحات وأهداف وغايات وتطوير ما أودع اللـه فيك من ملكات واستعدادات وأما الفشل كل الفشل فهو حرمان النفس كل هذه العطاءات.

ويكشف الكاتب في هذا السياق عن القواعد الأساسية لتحقيق التميز والنجاح، وهي: تحديد الهدف والغاية ومن ثم العمل الدؤوب باتجاه الهدف المنشود، الاهتمام بنقاط القوة وتعزيزها ومعالجة نقاط الضعف، التركيز على بذل الجهد وليس على النتائج، التخفيف من تصفح وسائل التواصل الاجتماعي، كتابة التجارب الجميلة، الاهتمام وبذل الجهد في تحقيق التوازن في جوانب الحياة كافة، الحرص على فاعلية كل الأدوار الحياتية التي يعيشها الإنسان، الشفاء من متلازمة «نصف الطريق» أو «النفس القصير».

أهمية القراءة

وتؤكد هذه الدراسة أهمية القراءة كمدخل رئيسي لولوج عالم المعرفة والثقافة لمعرفة ما يدور في هذا العالم الذي أصبح قرية صغيرة ولعل الثورة المعرفية والعلمية التي نلمسها في عصرنا الحاضر ناتجة عن القدرة القرائية لبني البشر، وحاجتهم إلى تنمية هذه القدرة. فمن الملاحظ أن أنشطة الناس تعتمد على دور القراءة المهم في حياتهم، وأن ما يقومون به يعتمد على كم هائل من المادة المقروءة في الكتب أو الصحف أو النشريات.

وفي هذا الجانب يبين الكاتب أن « مستوى القراءة في عصرنا الذي نعيش هو دون المأمول بكثير وخصوصاً لأمة افتتح كتابها البيان بـ(اقرأ) ومما لا شك فيه أن شبابنا يقرأ الكتب والمناهج المدرسية والجامعية… وأحداث الساعة على صفحات الإنترنت وكلها صور ووجوه من القراءة المفيدة لكنها دون المرجو بكثير. إننا في عصر القراءة وقد أصبحنا في حاجة أكثر من أي وقت مضى إلى تأصيل القراءة في حياتنا فهي المنطلق إلى تنمية المدارك وزيادة الوعي، وهي السبيل إلى مواكبة العلوم والتواصل مع الحضارات، ويبقى القارئ الحقيقي نواة كل حضارة وثمرة من ثمراتها في آن معاً».

الحوار والانفتاح

ويشير المؤلف في دراسته إلى ضرورة ثقافة الحوار والانفتاح على الآخر في عصر تفشت فيه ثقافة القتل وإلغاء الآخر وامتلأت الصدور والدروب بنواتج ومخلفات التطرف الديني والتعصب المذهبي والتمييز العرقي والتباغض القومي. فأصبحنا بحاجة ماسة إلى تعزيز الوعي وإلى عمل وجهد دؤوب غايته صناعة الإنسان العاقل الذي يعي كيف يتعايش مع الآخرين تحت سقف الوطن الواحد وذلك من خلال تكريس لغة التواصل والحوار والسير في درب التكامل والانفتاح.

ويقول الدكتور محمد: «إن أمتنا أحوج ما تكون اليوم إلى تفعيل ثقافة الحوار والانفتاح على الآخر أكثر من أي وقت مضى، وهذا الحوار والانفتاح لا يمكنه أن يصل إلى مبتغاه إلا بتحقق أمرين اثنين: أولهما انفتاح القلب والعقل معاً، فإن لم يفتح الإنسان قلبه خلال الحوار لن يصل إلى حالة التفهم، وإن لم يفتح الإنسان عقله فلن يصل إلى حالة الفهم ومن ثم كل حوار غير مبني على الفهم والتفهم لا فائدة منه ولا جدوى، بل سيؤدي إلى نتائج عكسية. وثانيهما الانفتاح على الذات ليتعرف الإنسان على حقيقة آرائه وأفكاره وأن يدرك الحجج والأدلة التي يستند إليها قبل أن ينفتح على الآراء والأفكار الأخرى».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن