ثقافة وفن

نهايات متوقعة

| إسماعيل مروة

ذات يوم اجتمعت الإرادة السياسية مع الإرادة الدينية، فشرعنت الإرادة الدينية الغيبية وجود شريحة سياسية دون أخرى، ولأن الفكر الديني إ يماني غيبي، فإنه يحكم باسم الرب الإله، ويحدد مشيئة الإله، ومهما كانت مشيئة الإرادة الدينية التي يقولها رجال الدين وعلماؤه فهي التي تسري وتسير، ولأن وقت عمر بن الخطاب الذي قال: أصابت امرأة وأخطأ عمر انتهى، ولأن قول الخليفة لأتباعه إن فعلت فأعينوني، وإن أخطأت فقوموني انتهى، فقد تحولت الإرادة الدينية إلى جزء ضروري جداً للسلطة السياسية، ولم يعد بمقدور السلطة السياسية أن تستغني عن المساعدة الدينية ومساندتها. على اختلاف التوجهات الدينية ما بين سلفية وصوفية وغير ذلك، وفي الغالب صرنا نجد هذا التعاون والتعاضد بين السياسة والدين في المشهد السياسي بوضوح، وقد يكون أكثر من تيار هو الذي يساند السلطة السياسية، والخلاف بين الأتباع على أشده، لكن الوفاق بين أصحاب الرأي الفاعلين على أحسن وجه، فالصراع بين السلفية والصوفية على أشده كأتباع، والصراع بين الأشاعرة وخصومهم على أشده، والصراع بين سنة وشيعة واضح للعيان، بل تدار المعارك وفقه، ولكن المصلحة السياسية قد تقتضي أن نجد تعاوناً بين متناقضات السياسة والدين، وهذا الأمر لا يقتصر على الإسلام ومنطقتنا، فالكرسي الرسولي كان على الدوام لصيقاً بالحركات السياسية والحروب، وسوّغ في كثير من المفاصل خطط الحكام ورغائبهم مهما كانت، وإن كان الغرب اليوم قد نقل هذا الإطار من التعاون والتعاضد بين المؤسستين الدينية والسياسية، وغيّر المعادلات الظاهرية، فإنه لم يفعل ذلك مطلقاً في الجوهر، وإنما نقله من العلن إلى الاتفاق الضمني السري..

فهنا تبعية ومرجعية وهناك تبعيات ومرجعيات.

وفي كل مكان هناك ولاء من نوع يختلف عن الآخر ليس في جوهره وإنما في آليات تعاطيه، وفي طرائق وصوله إلى الغايات التي يرسمها الساسة والطامة تتمثل في أن كل طرف يرى نفسه على حق ويكفّر الآخر نهائياً.

ومنهج التفكير يؤثر تأثيراً كبيراً في سيرورة الحضارة والحياة، وهو الذي يحكم يومياتنا وتصرفاتنا وحياتنا، وهو الذي يحدد يومنا، ويؤطر علاقاتنا السياسية، إذ ينتقل الأمر من الجانب الديني إلى الجانب السياسي، ومن السياسي إلى الديني!.

هذا التحالف الذي ولد ذات يوم من رحم الحاجة لتنظيم المجتمع مبدئياً، انتقل ليصبح الضرورة والحاجة والنهاية بل الغاية من كل جوانب الحياة الأخرى.

حين عمل الغرب على إخفاء العلاقة القدرية السرية نجح في إيلاء الجوانب الأخرى الاجتماعية والثقافية والعلمية أهمية، وكانت مشكلة الحضارة مع غاليلي صدمة للعلم والمؤسسة.

لا يطلب من أحد أن يتخلى عن العقيدة والإيمان، ولكن أن يكون هذا الأمر أمراً فردياً خاصاً به، يمكن أن يقوّم ويهذّب ويسمو بالإنسان ليذهب المرء مهما كان انتماءه إلى جوانب أخرى تقدم فوائد جلّى للمجتمع وفي كل جانب، وبداية النهضة العربية في القرن التاسع عشر كانت واضحة للغاية، مدارس تبشيرية ومدارس مضادة، ومكتبات ومطابع، وكتب وتراث، وحضارة وعلوم واطلاع، تأثر وتأثير، نبذ لكل ما هو خرافة يدعو إلى المسكنة والهدوء، والسعي لإنجاز مجتمع حضاري علمي من أطباء ومهندسين، ومعلمين وإداريين وعسكريين وقادة استفادوا من الحضارة الغربية يومها.. ولكن دون سابق إنذار تم وأد هذه النهضة، ونعت أصحاب حركة الإصلاح الديني بأقصى النعوت لا لشيء إلا لأنهم أرادوا الخروج من الرتابة ونبذ مالا لا يتفق مع العلم والعقيدة.. ورجال التنوير الذين درسوا في مدارس تبشيرية أو مضادة تم تصنيفهم وضاعت الفوائد.. وكل ما كان خلال القرن التاسع عشر انتهى بسرعة البرق لنعود إلى جاهلية أولى من الصعب التحرر منها!.

بعد تجربة تجاوزت قرنين أليست النهايات التي وصلنا إليها أو تنتظرنا متوقعة؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن