قضايا وآراء

أزمة جيش الاحتلال

| تحسين الحلبي

يضع المحللون العسكريون في الكيان الإسرائيلي حسابات كثيرة لأي حرب تقع ضده من الشمال، ويقصدون بجبهة الشمال، محور المقاومة وقوته الإقليمية المتعاظمة ممثلة بإيران التي يستند إليها في الميدان الإقليمي إلى حدود الحلفاء في الجولان وجنوب لبنان، ولا أحد يشك أن قادة جيش الاحتلال يدركون كل الصعوبات التي واجهتهم للتخلص من هذه الجبهة التي ثبتت وجودها وقدراتها منذ تصديها الأسطوري للاحتلال الإسرائيلي للبنان عام 1982 وبعد تحرير جنوبه عام 2000، فلم يوفر جيش الاحتلال وحلفاؤه على المستوى الدولي والإقليمي جهوداً ومؤامرات وحروباً للتخلص من هذا المحور من دون جدوى بل تلقى منه هزائم متتالية بلغت أوجها بهزيمة مجموعاته الإرهابية المسلحة على الأراضي السورية والعراقية.

ولذلك لجأ جيش الاحتلال إلى شن غارات بين فترة وأخرى على بعض الأهداف والمواقع فوق الأراضي السورية واضعاً حسابات كثيرة لتجنب تحويلها إلى حرب شاملة في توقيت دقيق وحساس للمراهنة على اختراق هذا التحالف التاريخي وإنجازاته المشتركة لأطراف محور المقاومة.

ولأن الواقع يثبت بلسان قادة جيش الاحتلال أن الكيان الإسرائيلي يعيش أخطر أزمات ضعفه أمام مجمل قدرات محور المقاومة يعترف مدير الكليات الحربية في إسرائيل سابقاً الجنرال المتقاعد بينحاس يحزقيلي في تحليل نشره في 30 آب الماضي، بمجلة «إنتاج المعرفة» التي يرأس تحريرها أنه «إذا كانت إسرائيل أمام حرب لا مفر منها مع إيران وحلفائها فإنها ستكون حرباً مختلفة عن كل الحروب التي خبرتها إسرائيل، لأنها لم تستطع هزيمة قوة إقليمية تتمسك بأراضيها» ويضيف يحزقيلي: «وبعد الفشل الأميركي في العراق وخروج القوات الأميركية منه، ها نحن نشهد الآن مرحلة عودة القوى الإقليمية في المنطقة ودورها المتعاظم وخاصة إيران التي تجد أن طريق زيادة نفوذها يتسع وقوتها تزداد حتى بقدراتها وحدها من دون دعم قوة كبرى وهي ليست وحدها ما دامت موسكو تستمر بالتحالف معها ومع سورية».

يشير يحزقيلي بلغة واضحة في تحليله إلى الجهود التي تبذلها أطراف محور المقاومة الممثلة بدمشق وطهران وحزب الله وقطاع غزة «لزيادة تطوير قدراتها الصاروخية الحديثة لإخراج إسرائيل من ساحة اللعبة الإقليمية بعد تدمير كل بناها التحتية بقدرة إطلاق آلاف الصواريخ يومياً».

ويرى يحزقيلي أن هذا المحور يتبع سياسة حريصة على عدم جر القوى الكبرى للمشاركة مع إسرائيل في أي حرب مقبلة ولذلك يتجنب المبادرة بالهجوم ويعد نفسه لهذا الوضع باسم الدفاع لإبقاء الحرب في الدائرة الإقليمية عله يفرض التوقيت الذي يريده لحرب تقتصر حدودها على المنطقة.

عن الجانب الإسرائيلي يرى أن «إسرائيل سيختلف وضعها كثيراً في حرب كهذه عما كان عليه وضعها عند بدايتها، فهي أجبرت على تغيير حساباتها بعد خسارة 2600 من جنودها في حرب تشرين عام 1973 وهي ستخسر أضعافاً كثيرة من هذا العدد في حرب مع إيران وحلفائها، ناهيك عن الدمار والخراب»، ويختتم يحزقيلي تحليله مبينا أن «إسرائيل ستواجه مثل هذه الحرب وهي غير مستعدة لها عسكرياً وخاصة من ناحية القوة البرية وبعقيدة حربية لا صلة لها بمثل هذا النوع من الحروب الحديثة وبالخوف من الخسائر البشرية وبجمهور تعب من الحروب وتتفاعل فيه الانقسامات الاجتماعية».

وسواء صدقنا ما يقوله أو لم نصدق، أوليس الوضع الإسرائيلي في هذه الظروف وخلال خمسة انتخابات في ثلاث سنوات تدل على أزمة هذا الكيان؟ ثم أليست جبهته الداخلية تفتقر حقاً للملاجئ والتحصينات؟ وقد شاهدنا كيف نقل الجيش عشرات الآلاف من المستوطنين من مستوطنات قرب قطاع غزة إلى مناطق الشمال لأنهم كانوا سيفرون بأنفسهم ثم ألم نر أن مئات حتى لنقل عشرات الصواريخ سقطت ولم تستطع الدفاعات الصاروخية منع سقوطها، ثم ألا نجد أن هذا الكيان أصبح محاطاً بثلاث جبهات واحدة في الشمال وأخرى في قطاع غزة في الجنوب وثالثة من خمسة ملايين فلسطيني في وسط الكيان؟ وهذه الجبهات تتطلب وجود أكثر من 400 ألف من الجنود وهل يستطيع ستة ملايين إسرائيلي تجنيد مثل هذا العدد في حين أن 13 بالمئة من الإسرائيليين الطلاب التوراتيين يعفيهم الكيان مرغماً من الخدمة بالجيش.

لذلك ربما كان يحزقيلي يريد أن يقدم شهادة اختصاصي علنية لا للتحذير فقط بل ولعرض موقف يطلب به من أصحاب القرار الامتناع عن المغامرة والمخاطرة في ظل هذا الوضع الذي تحتاج فيه تل أبيب إلى مشاركة الجيش الأميركي علناً بحرب مباشرة على كل أطراف محور المقاومة وهو ما لا تجرؤ حتى الآن واشنطن على القيام به.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن