باتت كلمة «أزمة» تتصدر أحاديث المواطنين، لدرجة استحالة حدوث أي حوار بين شخصين في الشارع أو المقهى أو حتى في المكالمات الهاتفية من دون أن تحتل الأزمات النصيب الأكبر من الوقت والجهد والتأسف في هذه الأحاديث.
والحقيقة فإن استخدام كلمة «الأزمة» في حالنا لا يبدو منطقياً. ربما يحق للأوروبيين الحديث عن أزمة في الطاقة وبالتالي في التدفئة في الشتاء القادم، نظراً لتسارع الأحداث الخاصة بإمدادات الغاز الروسي على خلفية الحرب الأوكرانية، حين وجدت الدول الأوروبية نفسها في مواجهة «أزمة فقدان الغاز» فجأة لتبدأ بعملية البحث عن بدائل.
لكن «أزماتنا»، على عكس الأوروبيين، انتفت عنها صفة الفجائية حيث لم تعد وليدة سنة أو اثنتين، بل تحوّلت إلى ظواهر مزمنة تزداد سوءاً بمرور الوقت. فقطاع الكهرباء مثلاً كان مأزوماً منذ بداية الحرب السورية، وتحوّل إلى أزمة مع الانقطاعات الطويلة منذ عام 2014، أما اليوم فالتعبير الأدق بالنسبة لهذا القطاع هو فقدان الكهرباء، الذي بات يزور منازل السوريين وأماكن عملهم بضع ساعات يومياً، لتتناسب ساعات القطع مع نسبة الحاجة إليها. فكلما اشتد البرد أو الحر على حد سواء كان الانقطاع أطول. فهل يمكن الحديث بعد أكثر من 8 سنوات عن أزمة؟ لا أعتقد.
وبما أننا نتحدث عن الطاقة، فإن وضع المحروقات لا يختلف كثيراً عن الكهرباء، فندرة البنزين والمازوت ليست بطارئ في حياتنا في سورية المتحالفة مع اثنين من أهم مصدري النفط على مستوى العالم: روسيا وإيران. فكيف للمواطن البسيط أن يقتنع بأن روسيا المصدر الثاني للغاز في العالم، وإيران المالكة لثاني أكبر احتياطي للغاز في العالم هما دولتان حليفتان لسورية التي ينتظر فيها 3 أشهر من أجل الحصول على جرة للغاز بوزن 10 كغ؟
وإن كانت الخدمات الحكومية شبه معدومة، فإن واقع القطّاع المشترك أو الخاص لا يبدو أفضل حالاً، وهو الذي يتّخذ من حكومة البلاد قدوة له في كل قراراته ومنهجية عمله. أقطن في منطقة ضمن حدود العاصمة دمشق الإدارية تغيب عنها شبكة إرسال الهاتف والإنترنت بعد مدة قصيرة من انقطاع التيار الكهربائي بسبب قدم المدّخرات في محطات البث، حسب رأي أحد الخبراء من الأصدقاء، ما يعني أن شركات الاتصالات هي الأخرى تعمل على جني المال من جيوب المواطنين بغض النظر عن تقديم أي خدمة مقابل هذا المال، فما بالك إن كانت هذه الخدمة من صميم عملها؟ أما الأكثر هزلية في كل ذلك فهو قرار محافظة دمشق بتغيير اسم المنطقة بإضافة كلمة «جديدة» في نهايتها، في حين بقيت مدّخرات محطات البث قديمة قدم شوارعها وخطوط الهاتف الثابت.
في ظل هذه الأزمات وتأثيراتها ونتيجتها، بات المواطن السوري يعيش اليوم بمداخيل إفريقية مقابل أسعار أوروبية. ففقدان الكهرباء والمحروقات اللازمة لتشغيل المولّدات، وما نتج عن ذلك من ارتفاع تكاليف النقل والإنتاج، أدى إلى ارتفاعات جنونية بأسعار السلع التي تجاوزت بعضها أسعار مثيلاتها في دول الجوار الأعلى لناحية دخل الفرد والحد الأدنى للأجور والرواتب. فبمقارنة بسيطة مع تركيا المجاورة، التي تعاني من أزمة اقتصادية خانقة، يتبين لنا ارتفاع أسعار المواد الغذائية والألبسة المحلية مقارنة بالتركية الأرخص والأفضل جودة، مع ملاحظة أن الحد الأدنى للأجور والرواتب في الجارة الشمالية يبلغ ما يقارب الـ 300 دولار أميركي.
كل ما سبق يشجّعنا على اعتزال كلمة «الأزمة» لمصائبنا، التي باتت مزمنة وبحاجة إلى إجراءات استثنائية تتجاوز ذهنية «خلينا نمشي وبعدين اللـه كريم» التي عملت عليها ولا تزال الحكومات المتعاقبة، قبل أن يلتهمنا التضخّم وينقرض المواطن القادر على الصرف على حكومته.