قضايا وآراء

أبعاد تصاعد المقاومة في الضفة الغربية

| تحسين حلبي

حين سيطر جيش الاحتلال في الكيان الإسرائيلي على الضفة الغربية وقطاع غزة عام 1967 سارع إلى إبعاد ما يزيد على 200 ألف من الفلسطينيين المواطنين في الضفة الغربية إلى المملكة الأردنية وكان مجموع عدد سكان الضفة الغربية والقدس وغزة في ذلك الوقت هو مليون ونصف المليون تقريباً بينما كان عدد الإسرائيليين في الكيان في ذلك الوقت يزيد على مليونين ونصف المليون تقريباً.

وبعد مرور 55 عاماً على الاحتلال يجد الإسرائيليون الآن أنفسهم محاطين ومحاصرين من أكثر من سبعة ملايين من الفلسطينيين من غزة حتى رأس الناقورة وهم لا يزيد عددهم على ستة ملايين ونصف المليون. واستمر عدد الفلسطينيين يزداد طوال نصف قرن من الاحتلال ومن خلال هذا الصمود في أراضيهم تمكن الفلسطينيون من إحباط المخطط الذي بدأ به الكيان حين أبعد عام 1967 أكثر من مئتي ألف من الضفة، وكان هدفه تكرار حملات الإبعاد بين مرحلة وأخرى لكن المقاومة الفلسطينية التي لم تتوقف وما رافقها في حرب تشرين عام 1973 ومجابهات الجيش السوري والمقاومة اللبنانية والفلسطينية على أرض لبنان في الثمانينيات، استنزفت جيش الاحتلال طوال ثلاثة عقود وفرضت عليه هزائم متعددة، ويدل هذا في واقع الأمر على أن حرب الاستنزاف التي تشنها المقاومة منذ عام 1967 لم تتوقف من ساحة الشمال والجنوب والوسط ولم يستطع جيش الاحتلال إيقافها أو منع تزايد قدراتها ووحدة صفوفها، وفي هذه الأوقات يبين المحلل العسكري في صحيفة «يديعوت أحرونوت» يوسي يهوشع في الخامس من أيلول الجاري أن قيادة الجيش اعتقدت أن «موجة الحملات العسكرية الإسرائيلية على الفلسطينيين المسلحين في الضفة الغربية والقدس في آذار الماضي وما رافقها من اعتقالات وتصفيات جسدية في جنين ونابلس حققت أهدافها ولن تتكرر العمليات المسلحة الفلسطينية لكننا نرى منذ أسابيع أن مساحة هذه العمليات الفلسطينية اتسعت لتشمل بئر السبع وتل أبيب ثم الخضيرة و«بني براك» وكل هذه المناطق داخل إسرائيل وليس في الضفة الغربية أو القدس، وأخيراً ها هي تمتد إلى غور الأردن وقباطيه وجوار جنين مرة أخرى».

ويكشف يهوشع أن «الأشهر الستة الماضية شهدت 220 عملية إطلاق نيران على الجيش والمستوطنين وهذا الرقم ضعف العدد الذي جرى فيه إطلاق نار من المسلحين الفلسطينيين في عام 2021 وهذا يعني أن هذا النوع من العمليات يتصاعد ويكلف خسارة بشرية في صفوف الجيش»، ويضيف يهوشع إن «المسؤولين في جهاز الأمن الداخلي «الشاباك» تبين لهم أن الشبان الفلسطينيين الذين يقومون بهذه العمليات غير مألوفين لهم ولا يعرفون عنهم معلومات وهذا يعني أنهم من الجيل الجديد»، ويذكر أن إحدى عمليات المقاومة أدت إلى إصابة قائد كتيبة في جيش الاحتلال برتبة عقيد هو روعي تسفيغ، والفرق الكبير الذي نراه بين وضع قوات الاحتلال في الفترة الأولى لما بعد عام 1967 بالمقارنة مع الوضع السائد الآن هو أن جيش الاحتلال فقد بنسبة كبيرة قدرة الردع على جبهة جنوب لبنان وفقدها بشكل متوسط نسبياً في جبهة قطاع غزة لكنه فقدها أيضا بشكل يتزايد الآن في جبهة الضفة الغربية، وهذا يعني أن المقاومة بمجملها ووحدة ساحاتها بدأت تفرض حسابات وتحديات على جيش الاحتلال لم يتمكن من التخلص منها حتى الآن، ولذلك بدأ المستوطنون يشعرون أنهم صنعوا لأنفسهم فوق الأراضي المحتلة «غيتو» من رأس الناقورة حتى قطاع غزة أي حارات مسورة تحيط بها الجدران ويملأ جنباتها الخوف من صاحب الأرض قربهم أو من صواريخ فصائل المقاومة الجاهزة للانطلاق من الشمال والجنوب، في حين أن هذا «الغيتو» لم يعد موجوداً في أوطانهم التي جيء بهم منها وبهذا الشكل نسفت المقاومة المبرر المزعوم للحركة الصهيونية بوجود مشكلة يهودية ولا حل لها إلا بانتقال اليهود من «الغيتو» المزعوم إلى وطن قومي في فلسطين ودولة يهودية لوحدهم فقد تحول ما يسمى «بالوطن القومي» على أرض فلسطين إلى «غيتو» يحاصره أصحاب الأرض من كل جانب ومعهم محور مقاومة إقليمي يمتد من دمشق حتى بغداد وطهران، وإذا كان جيش الاحتلال قد اعترف بوقوع 220 عملية إطلاق نيران على قواته وبأنه يواجه هذه النيران في كل مرة يحاول جنوده دخول هذه المدينة الفلسطينية أو تلك فإن الفزع الذي يصيب المستوطنين داخل الضفة الغربية سيزداد بعد أن تحولت المستوطنة المنفردة إلى «غيتو» لا ينقذهم من مضاعفاته سوى الرحيل إلى مدن أوطانهم التي لا وجود لـ«الغيتو» فيها وهكذا ستفرض هذه النتيجة المنطقية نفسها على كل من يبقى مغتصباً لأرض ووطن الشعب الفلسطيني وبخاصة بعد أن بلغ عدد الذين عادوا إلى أوطانهم أكثر من مليونين خلال العقود الثلاثة الأخيرة ونضبت هجرة اليهود من الخارج.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن